للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِثْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْيِينُ فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ مُفِيدًا فَيَلْغُو فِي حَقِّهِ، وَيُعْتَبَرُ فِي بَيَانِ حَقِّ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي حَقِّهِ مُفِيدٌ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عِنْدَنَا أَثْمَانٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ فِي مُقَابَلَتِهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَهُ حَرْفُ الْبَاءِ فِيهِمَا أَوْ فِيمَا يُقَابِلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِحَالٍ فَكَانَتْ أَثْمَانًا عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(وَأَمَّا) مَا سِوَاهُمَا مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَالذَّرْعِيَّاتِ فَهُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بَلْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا عَيْنًا إلَّا الثِّيَابَ الْمَوْصُوفَةَ الْمُؤَجَّلَةَ سَلَمًا فَإِنَّهَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ مَبِيعَةً بِطَرِيقِ السَّلَمِ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى السَّلَمِ فِيهَا، وَكَذَا الْمَوْصُوفُ الْمُؤَجَّلُ فِيهَا لَا بِطَرِيقِ السَّلَمِ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ كَالْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ.

فَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَهُوَ مَبِيعٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مُقَابَلَتِهِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمَكِيلُ أَوْ الْمَوْزُونُ مُعَيَّنًا فَهُوَ مَبِيعٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا يُحَكَّمُ فِيهِ حَرْفُ الْبَاءِ فَمَا دَخَلَهُ فَهُوَ ثَمَنٌ، وَالْآخَرُ مَبِيعٌ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعَيَّنًا، وَالْآخَرُ مَوْصُوفًا أَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْصُوفًا فَإِنَّهُ يُحَكَّمُ فِيهِ حَرْفُ الْبَاءِ فَمَا صَحِبَهُ فَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْآخَرُ الْمَبِيعُ (وَأَمَّا) الْفُلُوسُ الرَّائِجَةُ فَإِنْ قُوبِلَتْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَهِيَ أَثْمَانٌ وَكَذَا إنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَسَاوِيَةً فِي الْعَدَدِ، وَإِنْ قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلَةً فِي الْعَدَدِ فَهِيَ مَبِيعَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ أَثْمَانٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ.

(فَمِنْهَا) : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِي الْعَقَارِ اخْتِلَافٌ.

وَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْأَثْمَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا الصَّرْفَ، وَالسَّلَمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ مُسْتَقِيمٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ وَالْمَبِيعَ عِنْدَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَلَهُ فِيهِ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ» فَيَتَنَاوَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ، وَنَأْخُذُ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ الدَّنَانِيرَ، وَمَكَانَ الدَّنَانِيرِ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ : لَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِمَا، وَافْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ» ، وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَلِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ نَفْسِ الدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِعْلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ قَبْضُهُ حَقِيقَةً فَكَانَ قَبْضُهُ بِقَبْضِ بَدَلِهِ، وَهُوَ قَبْضُ الْعَيْنِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ الْمَقْبُوضَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْقَابِضِ، وَفِي ذِمَّةِ الْمَقْبُوضِ مِنْهُ مِثْلُهَا فِي الْمَالِيَّةِ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا هَذَا هُوَ طَرِيقُ قَبْضِ الدُّيُونِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ مَا عَلَيْهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَاصَّةَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، وَالْأَمْوَالُ كُلُّهَا فِي مَعْنَى الْمَالِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحَدِيثِ الْعَيْنُ لَا الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ شَيْئًا يَحْتَمِلُ الْقَبْضَ، وَنَفْسُ الدَّيْنِ لَا يَحْتَمِلُ الْقَبْضَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ بِخِلَافِ السَّلَمِ، وَالصَّرْفِ.

(أَمَّا) الصَّرْفُ فَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ بَدَلَيْ الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَبِيعٍ إذْ هُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِجَعْلِهِ مَبِيعًا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَيُجْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا مِنْ وَجْهٍ، وَثَمَنًا مِنْ وَجْهٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ ثَمَنٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَبِيعٌ لَا يَجُوزُ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا (وَأَمَّا) الْمُسْلَمُ فِيهِ؛ فَلِأَنَّهُ مَبِيعٌ بِالنَّصِّ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَرَأْسُ الْمَالِ أُلْحِقَ بِالْمَبِيعِ الْعَيْنِ فِي حَقِّ حُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ شَرْعًا فَمَنْ ادَّعَى الْإِلْحَاقَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

وَكَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْقَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَرْضِ، وَسَائِرِ الدُّيُونِ (وَوَجْهُ) الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَاضَ إعَارَةٌ لَا مُبَادَلَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ فِيهِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ؟ ، وَلَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَلَزِمَ فِيهِ الْأَجَلُ، وَكَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمَأْذُونُ، وَهَؤُلَاءِ يَمْلِكُونَ الْمُبَادَلَةَ وَلِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُبَادَلَةً لَمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا، وَهُوَ فَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ دَلَّ أَنَّهُ إعَارَةٌ، وَالْوَاجِبُ فِي الْعَارِيَّةِ رَدُّ الْعَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِالِاسْتِبْدَالِ (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِقْرَاضَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَادَلَةُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>