للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى شَيْءٍ فَالْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الْجَوَازُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ كَبَّرَ قَبْلَ الْإِمَامِ بِيَقِينٍ، وَيُحْمَلُ عَلَى الصَّوَابِ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَسْتَيْقِنْ بِالْخَطَأِ، كَمَا قُلْنَا فِي بَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَلَمْ يَشُكَّ أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي صَلَّى إلَيْهَا قِبْلَةٌ أَمْ لَا: إنَّهُ يَقْضِي بِجَوَازِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ، وَكَذَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ، كَذَلِكَ هَهُنَا.

وَلَوْ كَبَّرَ الْمُقْتَدِي مَعَ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ طَوَّلَ قَوْلَهُ حَتَّى فَرَغَ الْمُقْتَدِي مِنْ قَوْلِهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ قَوْلِهِ: " اللَّهُ " لَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ، كَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ، وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّهُ يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: " اللَّهُ " وَحْدَهُ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُقْتَدِي مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صَارَ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ.

وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَلِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذِكْرِ الِاسْمِ وَالنَّعْتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِي ذِكْرِهِمَا، فَإِذَا سَبَقَ الْإِمَامَ بِالِاسْمِ حَصَلَتْ الْمُشَارَكَةُ فِي ذِكْرِ النَّعْتِ لَا غَيْرَ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ اللَّابِسِ بِالْعَارِي؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ مَا انْعَقَدَتْ بِهَا الصَّلَاةُ مَعَ السِّتْرِ فَلَا يُقْبَلُ الْبِنَاءُ لِاسْتِحَالَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْعَدَمِ، وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ لَا صِحَّةَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِهَا فِي الْأَصْلِ، إلَّا أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الشَّرْطِ فِي حَقِّ الْعَارِي لِضَرُورَةِ الْعَدَمِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، فَلَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الشَّرْطِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ تَكُنْ صَلَاةً فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْعَدَمِ مُسْتَحِيلٌ.

وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الصَّحِيحِ بِصَاحِبِ الْعُذْرِ الدَّائِمِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ مَا انْعَقَدَتْ لِلصَّلَاةِ مَعَ انْقِطَاعِ الدَّم فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ، وَلِأَنَّ النَّاقِضَ لِلطَّهَارَةِ مَوْجُودٌ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْعُذْرِ لِلْعُذْرِ، وَلَا عُذْرَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي.

فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ، وَالْمُتَكَلِّمِ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ مَا انْعَقَدَتْ لِلصَّلَاةِ بِقِرَاءَةٍ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ مِنْ الْمُقْتَدِي، وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ لَكِنَّهُ سَقَطَ عَنْ الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ لِلْعُذْرِ، وَلَا عُذْرَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي.

وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ التَّحْرِيمَةِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَلَا تَحْرِيمَةَ مِنْ الْإِمَامِ أَصْلًا فَاسْتَحَالَ الْبِنَاءُ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ صَلَاتَهُ بِلَا تَحْرِيمَةٍ لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْ الْأَخْرَسِ لِلْعُذْرِ وَلَا عُذْرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى التَّحْرِيمَةِ، فَنَزَلَ الْأُمِّيُّ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ مَنْزِلَةَ الْقَارِئِ مِنْ الْأُمِّيِّ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحْرِيمَةِ جَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِالْأَخْرَسِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّرَجَةِ.

وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْمُومِئِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ فَرْضَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ سَقَطَ إلَى خَلْفٍ وَهُوَ الْإِيمَاءُ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بِالْخَلْفِ كَأَدَائِهِ بِالْأَصْلِ، وَصَارَ كَاقْتِدَاءِ الْغَاسِلِ بِالْمَاسِحِ وَالْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ.

(وَلَنَا) أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ انْعَقَدَتْ لِلصَّلَاةِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَالْإِيمَاءُ - وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ فِيهِ بَعْضُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا أَنَّهُمَا لِلِانْحِنَاءِ وَالتَّطَأْطُؤِ، وَقَدْ وُجِدَ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالتَّطَأْطُؤِ فِي الْإِيمَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ كَمَالُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ - تَنْعَقِدُ تَحْرِيمَتُهُ لِتَحْصِيلِ وَصْفِ الْكَمَالِ، فَلَمْ يُمْكِنُ بِنَاءُ كَمَالِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ، وَلِأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْ الْمُومِئِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، فَلَمْ يَكُنْ مَا أَتَى بِهِ الْمُومِئُ صَلَاةً شَرْعًا فِي حَقِّهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ الْبِنَاءُ وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ خَلْفٌ لِأَنَّا نَقُولُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ تَحْصِيلُ بَعْضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، إلَّا أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَحْصِيلِ بَعْضِ الْفَرْضِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ لَا أَنْ يَكُونَ خَلْفًا، بِخِلَافِ الْمَسْحِ مَعَ الْغَسْلِ، وَالتَّيَمُّمِ مَعَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَلْفٌ فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَامَ مَقَامَ الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مِنْ يُومِئُ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا بِمَنْ يُومِئُ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ مَا انْعَقَدَتْ لِلْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ، ثُمَّ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ كُلِّهَا إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الْأُمِّيَّ إذَا أَمَّ الْقَارِئَ أَوْ الْقَارِئَ وَالْأُمِّيِّينَ فَصَلَاةُ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَلَاةُ الْإِمَامِ الْأُمِّيِّ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ تَامَّةٌ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرٍ اقْتَدَى بِهِ مَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ - فَتَجُوزُ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ، كَالْعَارِي إذَا أَمَّ الْعُرَاةَ وَاللَّابِسِينَ، وَصَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ يَؤُمُّ الْأَصِحَّاءَ وَأَصْحَابَ الْجِرَاحِ، وَالْمُومِئِ إذَا أَمَّ الْمُومِئِينَ وَالرَّاكِعِينَ وَالسَّاجِدِينَ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ بِمِثْلِ حَالِهِ، كَذَا هَهُنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ طَرِيقَتَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>