فِي الزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ﴾ [النساء: ٢٤] أَيْ مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً يُرَادُ بِالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ أَمَرَ اللَّهُ ﷾ بِإِيتَاءِ الْمُهُورِ الْمُسَمَّاةِ فِي النِّكَاحِ وَأَزَالَ الْجُنَاحَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ مَا يَتَرَاضَاهُ الزَّوْجَانِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ لِلْوَازِنِ: «زِنْ وَأَرْجِحْ فَإِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا نَزِنُ» وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي الثَّمَنِ، وَقَدْ نُدِبَ ﵊ إلَيْهَا بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ الْجَوَازُ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي لُزُومَ الْوَفَاءِ بِكُلِّ شَرْطٍ إلَّا مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُسْلِمٍ عِنْدَ شَرْطِهِ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا صَحَّتْ الزِّيَادَةُ مَبِيعًا، وَثَمَنًا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً فَلَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْقَعَا الزِّيَادَةَ مَبِيعًا وَثَمَنًا كَمَا لَوْ تَبَايَعَا ابْتِدَاءً، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْإِنْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ، وَالْمَحَلُّ قَابِلًا، وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ وُجِدَ وَقَوْلُهُمَا أَنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِمَالٍ يُقَابِلُ مِلْكَ الْبَائِعِ، وَالْمَبِيعَ اسْمٌ لِمَالٍ يُقَابِلُ مِلْكَ الْمُشْتَرِي قُلْنَا: هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ الثَّمَنُ اسْمٌ لِمَا أَزَالَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ، وَيَدَهُ عَنْهُ بِمُقَابَلَةِ مَالٍ أَزَالَ الْبَائِعُ مِلْكَهُ وَيَدَهُ عَنْهُ، فَيَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَالَ الَّذِي كَانَ مِلْكَ صَاحِبِهِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ شَرْعًا عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ نَقُولُ: مَا ذَكَرَاهُ حَدُّ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَالزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنُ مَبِيعٌ، وَثَمَنٌ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَالتَّسْمِيَةُ رِبْحٌ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ حَقِيقَةُ مَا يُمْلَكُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا بِمُقَابَلَةِ مَا هُوَ مَالٌ حَقِيقَةً بَلْ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةِ، وَالتَّسْمِيَةُ وَالزِّيَادَةُ هَهُنَا كَذَلِكَ فَكَانَتْ رِبْحًا حَقِيقَةً فَكَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ لَا تَكُونَ مُقَابَلَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا تَسْمِيَةً، وَشَرْطُ الشَّيْءِ كَيْفَ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ، وَالزِّيَادَةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَيْعِ هُوَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.
وَهُوَ مَالِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُعَاوَضَةٌ بِطَرِيقِ الْمُعَادَلَةِ عُرْفًا، وَحَقِيقَةً، وَالْمُقَابَلَةُ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْمَالِيَّةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَدَتْ التَّسْمِيَةُ تَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَنَا، وَالثَّمَنُ تَقْدِيرٌ لِمَالِيَّةِ الْمَبِيعِ بِاتِّفَاقِ الْعَاقِدَيْنِ، وَإِذَا زَادَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ عُلِمَ أَيُّهُمَا أَخْطَأَ فِي التَّقْدِيرِ، وَغَلِطَ فِيهِ، وَمَا هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، فَإِذَا بَيَّنَّا التَّقْدِيرَ كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ إلَّا أَنَّهُ ابْتِدَاءُ إيجَابٍ فَكَانَ عِوَضًا عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ لَا عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمَهْرِ أَغْلَبُ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى مَا عَرَفْتَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى حَالِهِ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ مَعَ تَغْيِيرِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ بِأَنْ يُجْعَلَ الْأَلْفُ بَعْدَ الزِّيَادَةِ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْعَبْدِ لِيَخْلُوَ النِّصْفُ عَنْ الثَّمَنِ، فَتَجْعَلُ الْأَلْفُ الزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ النِّصْفِ الْخَالِي.
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ تَغْيِيرًا، وَلَكِنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ التَّصَرُّفِ وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ التَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى: أَنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ الْفَسْخِ وَأَنَّهُ فَوْقَ التَّغْيِيرِ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفَعَ الْأَصْلَ، وَالْوَصْفَ، وَالتَّغْيِيرَ تَبْدِيلُ الْوَصْفِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْعَقْدِ فَلَمَّا ثَبَتَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْفَسْخِ فَوِلَايَةُ التَّغْيِيرِ أَوْلَى، وَلَهُمَا حَاجَةٌ إلَى التَّغْيِيرِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ، أَوْ لِمَقْصُودٍ آخَرَ فَمَتَى اتَّفَقَا عَلَى الزِّيَادَةِ، وَقَصَدَا الصِّحَّةَ وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ يُثْبِتُ هَذَا الشَّرْطُ مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِمَا تَصْحِيحًا لَهُ كَمَا فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لِغَيْرِهِ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ.
وَأَمَّا شَرَائِطُ الْجَوَازِ فَمِنْهَا الْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَقْبَلْ الْآخَرُ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ.
(وَمِنْهَا) الْمَجْلِسُ حَتَّى لَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْقَبُولِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ إيجَابُ الْبَيْعِ فِيهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ كَمَا فِي أَصْلِ الثَّمَنِ، وَالْمَبِيعِ وَأَمَّا الْحَطُّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَجْلِسُ، وَلَا الْقَبُولُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الثَّمَنِ بِالْإِسْقَاطِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِهِ فَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ كُلِّهِ وَأَمَّا كَوْنُ الزِّيَادَةِ وَالْمَزِيدِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ ثَمَنًا وَمَبِيعًا؟ وَكَذَا كَوْنُ الْحَطِّ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ حَطًّا؟ ، وَهَلْ يُؤَثِّرَانِ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ؟ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيُؤَثِّرَانِ فِيهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ شَرْطٌ فَيُبْطِلَانِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي الْعَقْدِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ شَرْطٌ فِي الزِّيَادَةِ لَا فِي الْحَطِّ عَلَى مَا نَذْكُرُ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ فَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَالثَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ وَكَذَلِكَ الْحَطُّ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ.
وَأَمَّا قِيَامُ الْمَبِيعِ وَقْتَ الزِّيَادَةِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الزِّيَادَةِ؟ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute