للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَنُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى زِيَادَةِ قَدْرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِالثَّمَنِ حَتَّى تُعْتَبَرَ قِيمَةُ الْقَدْرِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) كَيْفِيَّةُ الْجَوَازِ: فَالزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ عِنْدَنَا تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، كَأَنَّ الْعَقْدَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَرُدَّ عَلَى الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةِ جَمِيعًا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ الِالْتِحَاقُ فَسَادَ أَصْلِ الْعَقْدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَكَذَلِكَ الْحَطُّ، فَأَمَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ فَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ وَيُفْسِدُهُ أَمْ لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْحَطُّ؟ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيُفْسِدَانِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبْطِلَانِهِ وَلَا يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلٍ، وَأَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحٌ عَلَى حَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ وَالْعَقْدُ عَلَى حَالِهِ، وَالْحَطُّ جَائِزٌ هِبَةً مُبْتَدَأَةً وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ إذَا أُلْحِقَ بِهِ هَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ وَيُؤَثِّرُ فِي فَسَادِهِ أَمْ لَا؟ وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطٍ فَاسِدٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ أُلْحِقَ بِهِ، فَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ لَالْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ.

وَلَوْ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ لَأَوْجَبَ فَسَادَ أَصْلِ الْعَقْدِ لِتَحَقُّقِ الرِّبَا فَلَمْ يَصِحَّ فَبَقِيَ أَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحًا كَمَا كَانَ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ لِمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ وَيَصِحُّ الْحَطُّ؛ لِأَنَّ الِالْتِحَاقَ مِنْ لَوَازِمِ الزِّيَادَةِ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الزِّيَادَةِ فَلَا يَصِحُّ الْحَطُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ صَحِيحَانِ زِيَادَةً وَحَطًّا؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْقَعَاهُمَا زِيَادَةً وَحَطًّا وَلَهُمَا وِلَايَةُ ذَلِكَ فَيَقَعَانِ زِيَادَةً وَحَطًّا، وَمِنْ شَأْنِ الزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ الِالْتِحَاقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَلْتَحِقَانِ بِهِ، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ هَهُنَا إبْطَالًا لِلْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِبْطَالِ بِالْفَسْخِ وَكَذَا بِالزِّيَادَةِ وَالْحَطِّ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ خِيَارٌ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ حُكْمِهِ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ.

أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْخِيَارَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْطًا، وَنَوْعٌ يَثْبُتُ شَرْعًا لَا شَرْطًا، وَالشَّرْطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ نَصًّا، وَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ دَلَالَةً.

(أَمَّا) الْخِيَارُ الثَّابِتُ بِالشَّرْطِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا يُسَمَّى خِيَارُ التَّعْيِينِ، وَالثَّانِي خِيَارُ الشَّرْطِ.

(أَمَّا) خِيَارُ التَّعْيِينِ: فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى.

بَيَانِ حُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ، وَإِلَى بَيَانِ صِفَةِ الْحُكْمِ، وَإِلَى بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَيَلْزَمُ (أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَحُكْمُهُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ غَيْرَ عَيْنٍ وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إلَيْهِ، عُرِفَ ذَلِكَ بِنَصِّ كَلَامِهِمَا حَيْثُ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت مِنْك أَحَدَ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الدَّابَّتَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ عَلَى أَنْ تَأْخُذَ أَيَّهُمَا شِئْت وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فِي أَحَدِهِمَا وَثُبُوتَ خِيَارِ التَّعْيِينِ لَهُ، وَالْآخَرُ يَكُونُ مِلْكُ الْبَائِعِ أَمَانَةً فِي يَدِهِ إذَا قَبَضَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الثُّبُوتِ فَكَانَ أَمَانَةً، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ هُوَ الْمَبِيعُ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ فَلَا يَبْطُلُ، وَالْبَيْعُ قَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ، وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالتَّعْيِينِ فَيُوجِبُ الْخِيَارَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ اشْتَرَى أَحَدَ الْأَثْوَابِ الثَّلَاثَةِ فَهَلَكَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَبَقِيَ اثْنَانِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِمَا قُلْنَا، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَبِيعَ كَانَ الْمَبِيعُ أَحَدَ الْبَاقِينَ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ هَلَكَ الْكُلُّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ قَدْ هَلَكَ بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) صِفَةُ هَذَا الْحُكْمِ: فَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِهَذَا الْبَيْعِ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ مِلْكٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ خِيَارَ التَّعْيِينِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَمْنَعُ لُزُومَ الْمِلْكِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلْفَسْخِ، وَهَذَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَعَامُلِ النَّاسِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَا تَنْعَدِمُ حَاجَتُهُمْ إلَّا بَعْدَ اللُّزُومِ؛ لِأَنَّهُ عَسَى لَا يُوَافِقُهُ كِلَاهُمَا جَمِيعًا فَيَحْتَاجَ إلَى رَدِّهِمَا.

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: مَا يَبْطُلُ بِهِ الْخِيَارُ وَيَلْزَمُ الْبَيْعُ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا صَرِيحُ الِاخْتِيَارِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، وَالثَّانِي: الِاخْتِيَارُ مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ (أَمَّا) الصَّرِيحُ: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>