مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَا يَزُولُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَوْجُودٍ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ الْخِيَارُ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَزُولَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ، وَيَخْرُجُ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: يَدْخُلُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَزُولَ الثَّمَنُ عَنْ مِلْكِهِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ إذَا كَانَ عَيْنًا، وَلَا يَسْتَحِقَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ دَيْنًا، وَيَخْرُجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؟ لَا يَدْخُلُ، وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُسْتَدْعِي هُوَ الْأَصْلُ، وَالِامْتِنَاعُ بِعَارِضٍ، وَالْمَانِعُ هَهُنَا هُوَ الْخِيَارُ وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَا غَيْرُ، فَيَعْمَلُ فِي الْمَنْعِ فِيهِ لَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ أَلَا تَرَى كَيْفَ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنُ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؟ ، فَدَلَّ أَنَّ الْبَيْعَ بَاتٌّ فِي حَقِّ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ، فَيَعْمَلُ فِي بَتَاتِ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي وُضِعَ لَهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ إنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ، فَالْمَبِيعُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي، فَالثَّمَنُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا يَمْنَعُ دُخُولَ الثَّمَنِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فِي الْأَوَّلِ وَدُخُولَ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِي؛ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي عَقْدِ الْمُبَادَلَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَالثَّانِي: إنَّ فِي هَذَا تَرْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَرْضَيَانِ بِالتَّفَاوُتِ، وَقَوْلُهُمَا: الْبَيْعُ بَاتٌّ فِي حَقِّ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ قُلْنَا هَذَا يُوجِبُ الْبَتَاتَ فِي حَقِّ الزَّوَالِ لَا فِي حَقِّ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لَهُ أَثَرٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ الزَّوَالِ، وَامْتِنَاعُ الزَّوَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ الزَّوَالَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهَيْنِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَيْهِ مَسَائِلُ: (مِنْهَا) إذَا اشْتَرَى ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ، وَلَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ، فَإِنْ فَسَخَ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَإِنْ أَجَازَهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ الْخِيَارُ، وَلَزِمَ الْعَقْدُ، فَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، وَعِنْدَهُمَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ.
وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُكَ، فَأَنْتَ حُرٌّ، فَاشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عَتَقَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ (أَمَّا) عِنْدَهُمَا، فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، فَوُجِدَ شَرْطُ الْحِنْثِ، فَعَتَقَ (وَأَمَّا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنْجَزِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ نُجِزَ عِتْقُهُ بَعْدَ شِرَائِهِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ عَتَقَ، وَسَقَطَ خِيَارُهُ؛ لِكَوْنِ الْإِعْتَاقِ إجَازَةً، وَاخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ عَلَى مَا نَذْكُرُ كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ بِالنِّكَاحِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ، وَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَعَادَتْ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَهُ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ، وَعِنْدَهُمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ، فَبَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ.
(وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا فَسَدَ؛ لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ، وَمِلْكُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ رَقَبَةَ صَاحِبِهِ أَوْ شِقْصًا مِنْهَا يَرْفَعُ النِّكَاحَ، فَإِنْ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ إجَازَةً بِالْإِجْمَاعِ (أَمَّا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلِأَجْلِ النُّقْصَانِ بِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ، وَهِيَ الْعُذْرَةُ لَا لِأَجْلِ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ، فَكَانَ حِلُّ الْوَطْءِ قَائِمًا، فَلَا حَاجَةَ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ (وَأَمَّا) عِنْدَهُمَا، فَلِأَجْلِ النُّقْصَانِ وَالْوَطْءِ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْخِيَارِ لِضَرُورَةِ حِلِّ الْوَطْءِ، وَلَا ضَرُورَةَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ قَائِمٌ، فَكَانَ حِلُّ الْوَطْءِ ثَابِتًا، فَلَا ضَرُورَةَ إلَى مِلْكِ الْيَمِينِ بِحِلِّ الْوَطْءِ، فَلَمْ يَبْطُلْ الْخِيَارُ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ لِضَرُورَةِ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِارْتِفَاعِ النِّكَاحِ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَارِيَةُ زَوْجَةً لَهُ وَوَطِئَهَا أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً سَوَاءٌ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا؛ لِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ هُنَاكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ، فَكَانَ إقْدَامُهُ عَلَى الْوَطْءِ اخْتِيَارًا لِلْمِلْكِ، فَيَبْطُلُ الْخِيَارُ.
(وَمِنْهَا) إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَبَضَهَا فَحَاضَتْ عِنْدَهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حَيْضَةً