للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا فَأَمَرَ مُؤَذِّنَهُ أَنْ يُنَادِيَ: أَلَا إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ جُنُبًا فَأَعِيدُوا صَلَاتَكُمْ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ الْبِنَاءُ هَهُنَا لَا يَتَحَقَّقُ لِانْعِدَامِ تَصَوُّرِ التَّحْرِيمَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى بُدُوِّ الْأَمْرِ قَبْلَ تَعَلُّقِ صَلَاةِ الْقَوْمِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ الْمَسْبُوقَ كَانَ إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ قَضَى مَا فَاتَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ، حَتَّى تَابَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَوْ مُعَاذٌ رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ قَضَى مَا فَاتَهُ فَصَارَ شَرِيعَةً بِتَقْرِيرِ رَسُولِ اللَّهِ .

وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْعَارِي بِاللَّابِسِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ انْعَقَدَتْ لِمَا يَبْنِي عَلَيْهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْتِي بِمَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي وَزِيَادَةً فَيُقْبَلُ الْبِنَاءُ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ الْعَارِي بِالْعَارِي لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا فَتَتَحَقَّقُ الْمُشَارَكَةُ فِي التَّحْرِيمَةِ، ثُمَّ الْعُرَاةُ يُصَلُّونَ قُعُودًا بِإِيمَاءٍ، وَقَالَ بِشْرٌ: يُصَلُّونَ قِيَامًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ تَحْصِيلِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ.

وَقَدَرُوا عَلَى تَحْصِيلِ أَرْكَانِهَا، فَعَلَيْهِمْ الْإِتْيَانُ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ، وَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا عَجَزُوا عَنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا قُعُودًا تَرَكُوا أَرْكَانًا كَثِيرَةً وَهِيَ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا تَرَكُوا فَرْضًا وَاحِدًا وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لَهُ «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى الْجَنْبِ» ، فَهَذَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّي قَائِمًا فَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَائِمًا.

(وَلَنَا) مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ رَكِبُوا الْبَحْرَ فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ، فَخَرَجُوا مِنْ الْبَحْرِ عُرَاةً، فَصَلَّوْا قُعُودًا بِإِيمَاءٍ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا: " الْعَارِي يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ " وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ لِلصَّلَاةِ قَاعِدًا تَرْجِيحًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ وَمَا تَرَكَ فَرْضًا آخَرَ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِبَعْضِهِمَا وَهُوَ الْإِيمَاءُ، وَأَدَّى فَرْضَ الْقِيَامِ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْقُعُودُ، فَكَانَ فِيهِ مُرَاعَاةُ الْفَرْضَيْنِ جَمِيعًا، وَفِيمَا قُلْتُمْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا أَصْلًا وَهُوَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى، وَالثَّانِي - أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَهَمُّ مِنْ أَدَاءِ الْأَرْكَانِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَرْكَانَ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ لَا غَيْرِهَا، وَالثَّانِي - أَنَّ سُقُوطَ هَذِهِ الْأَرْكَانِ إلَى الْإِيمَاءِ جَائِزٌ فِي النَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَالْمُتَنَفِّلِ عَلَى الدَّابَّةِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ لَا تَسْقُطُ فَرْضِيَّتُهُ قَطُّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ أَهَمَّ، فَكَانَ مُرَاعَاتُهُ أَوْلَى، فَلِهَذَا جَعَلْنَا الصَّلَاةَ قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ صَلَّى قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ فَرْضًا آخَرَ فَقَدْ كَمَّلَ الْأَرْكَانَ الثَّلَاثَةَ وَهِيَ: الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَبِهِ حَاجَةٌ إلَى تَكْمِيلِ هَذِهِ الْأَرْكَانِ، فَصَارَ تَارِكًا لِفَرْضِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ أَصْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَجَوَّزْنَا لَهُ ذَلِكَ لِوُجُودِ أَصْلِ الْحَاجَةِ، وَحُصُولِ الْغَرَضِ، وَجَعَلْنَا الْقُعُودَ بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى لِكَوْنِ ذَلِكَ الْفَرْضِ أَهَمَّ، وَلِمُرَاعَاةِ الْفَرْضَيْنِ جَمِيعًا مِنْ وَجْهٍ.

وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوا مِنْ الْمَعْنَى وَتَعَلُّقُهُمْ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ حُكْمًا، حَيْثُ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، ثُمَّ لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ: فَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ وَسَطَهُمْ احْتِرَازًا عَنْ مُلَاحَظَةِ سَوْأَةِ الْغَيْرِ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةَ التَّقَدُّمِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ أَمْرٌ مَسْنُونٌ، فَإِذَا كَانَ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِارْتِكَابِ بِدْعَةٍ، وَتَرْكِ سُنَّةٍ أُخْرَى - لَا يُنْدَبُ إلَى تَحْصِيلِهَا، بَلْ يُكْرَهُ تَحْصِيلُهَا وَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ الْإِمَامُ وَأَمَرَ الْقَوْمَ بِغَضِّ أَبْصَارِهِمْ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا يَسْلَمُونَ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُنْكَرِ أَيْضًا، فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُمْكِنُهُمْ غَضُّ الْبَصَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ عَلَى عَوْرَةِ الْإِمَامِ، مَعَ أَنَّ غَضَّ الْبَصَرِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ أَيْضًا، نَصَّ عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ لِمَا يُذْكَرُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَنْظُرَ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لِيَكُونَ الْبَصَرُ ذَا حَظٍّ مِنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَطْرَافِ، وَفِي غَضِّ الْبَصَرِ فَوَاتُ ذَلِكَ، فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِارْتِكَابِ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ فَتَسْقُطَ الْجَمَاعَةُ عَنْهُمْ، فَلَوْ صَلَّوْا مَعَ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَالْأَوْلَى لِإِمَامِهِمْ أَنْ يَقُومَ وَسَطَهُمْ لِئَلَّا يَقَعَ بَصَرُهُمْ عَلَى عَوْرَتِهِ، فَإِنْ تَقَدَّمَهُمْ جَازَ أَيْضًا، وَحَالُهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَحَالِ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّينَ وَحْدَهُنَّ، وَإِنْ صَلَّيْنَ بِجَمَاعَةٍ قَامَتْ إمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ، وَإِنْ تَقَدَّمَتْهُنَّ جَازَ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْعُرَاةِ.

وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ صَاحِبِ الْعُذْرِ بِالصَّحِيحِ وَبِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْقَارِئِ وَبِالْأُمِّيِّ لِمَا مَرَّ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُومِئِ بِالرَّاكِعِ السَّاجِدِ وَبِالْمُومِئِ لِمَا مَرَّ، وَيَسْتَوِي الْجَوَاب،

<<  <  ج: ص:  >  >>