للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ الْقَصْلُ تَصَرُّفٌ فِيهِ بِالتَّنْقِيصِ، فَكَانَ دَلِيلَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ التَّقَرُّرِ، وَلَوْ شَرِبَ مِنْ نَهْرِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ سَقَى مِنْهُ دَوَابَّهُ لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ.

، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ رَحًى، فَطَحَنَ فِيهَا، فَإِنْ هُوَ طَحَنَ؛ لِيَعْرِفَ مِقْدَارَ طَحْنِهَا، فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ مَا شُرِعَ لَهُ الْخِيَارُ، وَلَوْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الزِّيَادَةِ لِلِاخْتِيَارِ، فَكَانَ دَلِيلَ الرِّضَا بِوُجُوبِ الْبَيْعِ.

(وَأَمَّا) خِيَارُ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا، فَيَسْقُطُ بِمَا يَسْقُطُ بِهِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، فَأَيَّهُمَا أَجَازَ صَرِيحًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أَوْ فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِجَازَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جَانِبِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ أَجَازَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَأَيَّهُمَا فَسَخَ صَرِيحًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ أَوْ، فَعَلَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْفَسْخِ انْفَسَخَ أَصْلًا وَرَأْسًا، وَلَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ مِنْ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ حُكْمُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ بِالْإِبْطَالِ، وَالْعَقْدُ بَعْدَ مَا بَطَلَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُتَلَاشٍ (وَأَمَّا) الْإِجَازَةُ، فَهِيَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَقْدِ بِالتَّغْيِيرِ، وَهُوَ الْإِلْزَامُ لَا بِالْإِعْدَامِ، فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ احْتِمَالِ الْفَسْخِ، وَالْإِجَازَةِ، وَلَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا، وَفَسَخَ الْآخَرُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّعَاقُبِ أَوْ عَلَى الْقِرَانِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَلْحَقُ الْإِجَازَةَ، فَإِنَّ الْمُجَازَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، فَأَمَّا الْإِجَازَةُ، فَلَا تَلْحَقُ الْفَسْخَ، فَإِنَّ الْمَفْسُوخَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ، فَكَانَ الْفَسْخُ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ، فَكَانَ أَوْلَى.

وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْفَسْخِ، وَالْإِجَازَةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: فَسَخْنَا الْبَيْعَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا بَلْ أَجَزْنَا الْبَيْعَ جَمِيعًا، فَاخْتِلَافُهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمُدَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْفَسْخَ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ، وَأَحَدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْإِجَازَةِ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّهُ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: مَضَتْ الْمُدَّةُ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَعْدَ الْإِجَازَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَازِ، وَهُوَ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَتَرَجَّحَ جَانِبُهُ بِشَهَادَةِ الْحَالِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَوْ قَامَتْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا بِخِلَافِ الظَّاهِرِ، وَالْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لَهُ.

وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَاخْتَلَفَا فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ سَوَاءٌ ادَّعَى الْفَسْخَ أَوْ الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعِي، وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي الْإِجَازَةَ أَيَّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْجَوَازِ، وَهِيَ مَا بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَلَوْ أُرِّخَتْ الْبَيِّنَاتُ فِي هَذَا كُلِّهِ، فَأَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا أَوْلَى سَوَاءٌ قَامَتْ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ بِأَنْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَلِلشَّارِطِ، وَالْمَشْرُوطِ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ.

وَأَيُّهُمَا أَجَازَ جَازَ، وَأَيُّهُمَا، فَسَخَ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَارِطًا لِنَفْسِهِ مُقْتَضَى الشَّرْطِ لِغَيْرِهِ، وَصَارَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لِلشَّارِطِ فِي الْفَسْخِ، وَالْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا، وَفَسَخَ الْآخَرُ، فَإِنْ كَانَا عَلَى التَّعَاقُبِ، فَأَوَّلُهُمَا أَوْلَى، فَسْخًا كَانَ أَوْ إجَازَةً؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالشَّرْطِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ، وُجُودُهُ بَطَلَ الْآخَرُ، وَإِنْ كَانَا مَعًا ذُكِرَ فِي الْبُيُوعِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ عَنْ، وِلَايَةِ الْمِلْكِ أَوْلَى نَقْضًا كَانَ أَوْ إجَازَةً، وَذَكَرَ فِي الْمَأْذُونِ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْبُيُوعِ أَنَّ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةِ الْمِلْكِ، فَلَا يُعَارِضُهُ الصَّادِرُ عَنْ وِلَايَةِ النِّيَابَةِ.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ، أَمَّا الْمَفْسُوخُ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ، فَكَانَ الرُّجْحَانُ فِي الْمَأْذُونِ لِلنَّقْضِ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ، وَقِيلَ مَا رُوِيَ فِي الْبُيُوعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ وِلَايَةَ الْمِلْكِ عَلَى وِلَايَةِ النِّيَابَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمَأْذُونِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْدِيمَ وِلَايَةِ الْمِلْكِ، وَأَصْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَ مِنْ إنْسَانٍ وَبَاعَ الْمَالِكُ مِنْ غَيْرِهِ، وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُجْعَلُ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَيُخَيَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ، فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي بَيَانِ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ شَرَائِطِهِ، فَنَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ مَا يَنْفَسِخُ بِهِ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، وَالِاخْتِيَارِيُّ نَوْعَانِ: أَيْضًا صَرِيحٌ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى الصَّرِيحِ، وَدَلَالَةٌ (أَمَّا) الْأَوَّلُ: فَنَحْوَ أَنْ يَقُولَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَسَخْتُ الْبَيْعَ أَوْ نَقَضْتُهُ أَوْ أَبْطَلْتُهُ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>