ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، لَا فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا فِي التَّطَوُّعِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الصَّبِيِّ انْعَقَدَتْ لِنَفْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ، وَنَفْلُ الْمُقْتَدِي الْبَالِغِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِفْسَادِ فَلَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ، وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّبَ وَلَدَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ إذَا عَقَلَهُمَا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذَا بَلَغُوا عَشْرًا» ، وَلَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَنَذْكُرُ حَدَّ الْبُلُوغِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ احْتَلَمَ الصَّبِيُّ لَيْلًا ثُمَّ تَنَبَّهَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ - قَضَى صَلَاةَ الْعِشَاءِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِبُلُوغِهِ بِالِاحْتِلَامِ.
وَقَدْ انْتَبَهَ وَالْوَقْتُ قَائِمٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ لَكِنَّهُ نَائِمٌ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْخِطَابُ، وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَلَمَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُحْتَمَلُ قَبْلَهُ، فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِالشَّكِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ أَنَّهُ احْتَلَمَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَاحْتُمِلَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ أَحْوَطُ، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مُصَلِّي الظُّهْرِ بِمُصَلِّي الْعَصْرِ، وَلَا اقْتِدَاءُ مَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرَ يَوْمٍ غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ عِنْدَنَا لِاخْتِلَافِ سَبَبِ وُجُوبِ الصَّلَاتَيْنِ وَصِفَتِهِمَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ، لِمَا مَرَّ.
وَرُوِيَ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ وَلَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ، فَوَجَدْتُ النَّاسَ فِي الصَّلَاةِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ فِي الظُّهْرِ، فَدَخَلْتُ مَعَهُمْ وَنَوَيْتُ الظُّهْرَ، فَلَمَّا فَرَغُوا عَلِمْتَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْعَصْرِ، فَقُمْتُ وَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَوَجَدَتْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُتَوَافِرِينَ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِمَا فَعَلْتُ، فَاسْتَصْوَبُوا ذَلِكَ وَأَمَرُوا بِهِ، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ عَلَى مَا قُلْنَا، وَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ: بِأَنْ نَذَرَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِيمَا نَذَرَ،.
وَكَذَا إذَا شَرَعَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاتَيْنِ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ نَذْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَشُرُوعُهُ، فَاخْتَلَفَ الْوَاجِبَانِ وَتَغَايَرَا، وَذَلِكَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ لِمَا بَيَّنَّا، بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ حَيْثُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَحْقِيقُ الْبِرِّ لَا نَفْسُ الصَّلَاةِ فَبَقِيَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا نَفْلًا، فَكَانَ اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَصَحَّ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِأَنْ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِيهَا، ثُمَّ أَفْسَدَاهَا حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا، فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي الْقَضَاءِ جَازَ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَاحِدًا مَعْنًى فَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْفَرْضَيْنِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ جَائِزَةٌ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْمُقْتَدِي إذَا فَسَدَتْ عَنْ الْفَرْضِيَّةِ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ؟ ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الرَّجُلِ إذَا كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ - وَقَدْ نَوَى إمَامَةَ النِّسَاءِ - فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ وَاقْتَدَتْ بِهِ فَرْضًا آخَرَ - لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا بِهِ - وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّطَوُّعِ، حَتَّى لَوْ حَاذَتْ الْإِمَامَ لَمْ تُفْسِدْ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ، فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْأَذَان قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْحَدَثِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَجَعَلُوهُ فَرْعِيَّةَ مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَجْرِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَقِيَ فِي التَّطَوُّعِ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّهُ يَمْكُثُ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ثُمَّ يَضُمُّ إلَيْهَا مَا يُتِمُّهَا فَيَكُونَ تَطَوُّعًا، وَعِنْدَهُ يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي الظُّهْرِ فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْفَجْرَ - يَنْقَلِبُ ظُهْرُهُ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَوَى فَرْضًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فَلَا يَلْغُو نِيَّةَ الْفَرْضِ، فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَلْغُ نِيَّةَ الْفَرْضِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي النَّفْلِ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخَالِفُ فَرْضُهُ فَرْضَ الْإِمَامِ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ، فَلَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ لَغَتْ أَصْلًا كَأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ بَنَى أَصْلَ الصَّلَاةِ وَوَصْفَهَا عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، وَبِنَاءُ الْأَصْلِ صَحَّ وَبِنَاءُ الْوَصْفِ لَمْ يَصِحَّ، فَلَغَا بِنَاءُ الْوَصْفِ وَبَقِيَ بِنَاءُ الْأَصْلِ، وَبُطْلَان بِنَاءِ الْوَصْفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَان بِنَاءِ الْأَصْلِ لِاسْتِغْنَاءِ الْأَصْلِ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ، فَيَصِيرُ هَذَا اقْتِدَاءَ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَأَنَّهُ جَائِز.
وَذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ