عَلَيْهِ دَيْنًا فَأَقَرَّ بِهِ، فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ حَطَّ عَنْهُ الْبَعْضَ جَازَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ، فَكَانَ الصُّلْحُ تَبَرُّعًا عَلَى الصَّبِيِّ بِحَطِّ بَعْضِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالصَّبِيُّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ، فَيَصِحُّ.
وَكَذَلِكَ حُرِّيَّةُ الْمُصَالِحِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ، حَتَّى يَصِحَّ صُلْحُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ كَانَ مِنْ التِّجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الْحَقِّ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَيَمْلِكُ التَّأْجِيلَ كَيْفَ مَا كَانَ، وَيَمْلِكُ حَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْعَيْبِ لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ دَيْنًا، وَهُوَ مَأْذُونٌ فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ حَطَّ بَعْضَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ فَكَانَ الْحَطُّ مِنْ الْمُدَّعِي تَبَرُّعَا عَلَى الْعَبْدِ بِبَعْضِ الدَّيْنِ فَيَصِحُّ.
وَلَوْ حَجَر عَلَيْهِ الْمَوْلَى، ثُمَّ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَأَقَرَّ بِهِ، وَهُوَ مَحْجُورٌ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَنْهُ عَلَى مَالٍ ضَمِنَهُ بِإِقْرَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ لَا يَنْفُذُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ لَا يَنْفُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ لَمْ يَنْفُذْ الصُّلْحُ فَلَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْحَالِ وَلَكِنْ يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ مِنْ نَفْسِهِ صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِلْحَالِ لِمَانِعٍ، وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى، فَإِذَا عَتَقَ زَالَ الْمَانِعُ فَيَظْهَرُ حِينَئِذٍ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَيَجُوزُ إقْرَارُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا إقْرَارُ الْمَحْجُورِ لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِالْحَجْرِ، وَإِقْرَارُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ صَحِيحٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ إقْرَارَ الْمَحْجُورِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمَحْجُورَ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ مِنْ ظُهُورِهِ حَقُّ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَتْ يَدُهُ ثَابِتَةً عَلَى هَذَا الْمَالِ مَنَعَ ظُهُورَ حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي إقْرَارِهِ فَيَمْنَعُ ظُهُورَ حَقِّ الْمَوْلَى فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فَلَا يَظْهَرُ، فَلَا تَبْطُلُ يَدُهُ الثَّابِتَةُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ حَقِيقَةً، وَالْإِقْرَارُ فِي نَفْسِهِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ يَدِهِ الثَّابِتَةِ حَقِيقَةً مَعَ الشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبِ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ، فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ، وَيُؤَخِّرَ بَعْضَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ، فَقَدْ صَارَ مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّف، فَلَا يَصِحّ صُلْحُهُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ جَازَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ عَجَزَ، فَالْخَصْم فِي دُيُونِهِ هُوَ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا لِحَطِّ الْبَعْضِ بِالصُّلْحِ.
(وَمِنْهَا) أَنْ لَا يَكُونَ الْمُصَالِحُ بِالصُّلْحِ عَلَى الصَّغِيرِ مُضِرًّا بِهِ مَضَرَّةٌ ظَاهِرَةٌ حَتَّى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ دِينًا فَصَالَحَ أَبِ الْوَصِيِّ مِنْ دَعْوَاهُ عَلَى مَالِ الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةً، وَمَا أَعْطَى مِنْ الْمَالِ مِثْلَ الْحَقِّ الْمُدَّعَى، أَوْ زِيَادَةً يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهَا، فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ لَإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى كُلِّ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْأَبُ يَمْلِكُ الْمُعَاوَضَةَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ بِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عِنْدَ انْعِدَامِ الْبَيِّنَةِ يَقَعُ الصُّلْحُ تَبَرُّعًا بِمَالِ الصَّغِيرِ، وَأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ.
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ مَا أَضَرَّ بِالصَّغِيرِ، بَلْ نَفْعَهُ حَيْثُ قَطْعَ الْخُصُومَةَ عَنْهُ.
وَلَوْ ادَّعَى أَبُو الصَّغِيرِ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنًا لِلصَّغِيرِ فَصَالَحَ عَلَى أَنْ حَطَّ بَعْضَهُ، وَأَخَذَ الْبَاقِيَ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؛ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ مِنْهُ تَبَرُّعٌ مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى مِثْلِ قِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا جَازَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ فَيَمْلِكُ الصُّلْحَ، وَهَلْ يَمْلِكُ الْأَبُ الْحَطَّ مِنْ دَيْنٍ وَجَبَ لِلصَّغِيرِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْهُ هَذَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: (إمَّا) إنْ كَانَ وَلِيَ ذَلِكَ الْعَقْدَ بِنَفْسِهِ (وَإِمَّا) إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيَهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ، وَالْإِبْرَاءَ مِنْ بَابِ التَّبَرُّعِ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ؛ لِكَوْنِهِ مَضَرَّةً مَحْضَةً، وَإِنْ كَانَ وَلِيَهُ بِنَفْسِهِ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأَ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ، أَوْ حَطَّ بَعْضَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَا يَجُوزُ صُلْحُ أَحَدٍ عَلَى حَمْلٍ أَيًّا كَانَ الْمُصَالِحُ أَوْ غَيْرُهُ، وَإِنْ خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ وَوِرْثَ وَجَازَتْ الْوَصَايَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ عَلَيْهِ؛ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَصِحَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَصِحَّ عَلَى اعْتِبَارِ الِانْفِصَالِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ تَنْفِيذِ الْوِلَايَةِ، وَهُوَ لِلْحَالِ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُوَلِّيًا عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ إلَى الْوَقْتِ، وَيَمْلِكُ الْأَبُ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَلَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ.
وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَصَرُّفٌ