للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّلَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَكَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبِيَاعَاتِ عَيْنًا كَانَتْ، أَوْ دَيْنًا إلَّا الْحَيَوَانَ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ أَصْلًا، وَالثِّيَابُ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ مِنْ بَيَانِ الْقَدْرِ، وَالْوَصْفِ وَالْأَجَلِ، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَثْبُتَانِ فِي الذِّمَّةِ مُطْلَقًا فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ أَجْلٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرْفٍ وَلَا فِي تَرْكِ قَبْضِهِ افْتِرَاقٌ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، بَلْ هُوَ افْتِرَاقٌ عَنْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَصَالَحَ مِنْهَا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ (إمَّا) إنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِهَا، أَوْ عَلَى جِنْسِهَا، فَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى خِلَافِ جِنْسِهَا فَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى عَيْنٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَيْهَا فِي مَعْنَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى دَيْنٍ سِوَاهُ؛ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَائِعٌ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانٌ أَبَدًا، وَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مَبِيعٌ فَالصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَقَعُ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَإِنْ صَالَحَ مِنْهَا عَلَى جِنْسِهَا، فَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَرَاهِمَ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ، أَوْجُهٍ.

(إمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ (وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ.

(وَإِمَّا) أَنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، فَإِنْ صَالَحَ عَلَى مِثْلِ حَقِّهِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ جِيَادٍ، فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِيفَاءُ عَيْنِ حَقِّهِ أَصْلًا وَوَصْفًا.

وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ الْجِيَادِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ يَجُوزُ أَيْضًا، وَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَعْضِ عَيْنِ الْحَقِّ أَصْلًا وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الْبَاقِي أَصْلًا وَوَصْفًا؛ لِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ.

وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ؛ يُؤَدَّى إلَى الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا أَلْفًا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَأَنَّهُ رِبًا، فَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَالْإِبْرَاءِ عَنْ الْبَاقِي، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَيَجُوزُ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِيَكُونَ صَرْفًا، وَكَذَلِكَ إنْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ عَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ، أَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا، بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ يَجُوزُ، وَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ، وَالْحَطُّ وَالْإِبْرَاءُ وَالتَّجَوُّزُ بِدُونِ الْحَقِّ أَصْلًا وَوَصْفًا؛ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَمُؤَجَّلًا.

وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا وَوَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ، أَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ قَدْرًا لَا وَصْفًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رِبَا؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ هُنَا لِتَعَذُّرِ حَمْلِهِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي، وَإِنْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَصْفًا لَا قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى أَلْفٍ جِيَادٍ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ الْحُلُولُ، أَوْ التَّقَابُضُ حَتَّى لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مُؤَجَّلًا إنْ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.

(وَأَمَّا) إذَا صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَصْفًا، وَأَقِلَّ مِنْهُ قَدْرًا بِأَنْ صَالَحَ مِنْ أَلْفٍ نَبَهْرَجَةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ، وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: يَجُوزُ، ثُمَّ رَجَعَ (وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا حَطُّ بَعْضِ حَقِّهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ، فَيَبْقَى عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ إلَّا أَنَّهُ أَحْسَنَ فِي الْقَضَاءِ بِخَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ؛ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا خَمْسَمِائَةٍ نَبَهْرَجَةٍ.

(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الصُّلْحَ مِنْ الْأَلْفِ النَّبَهْرَجَةِ عَلَى الْخَمْسمِائَةِ الْجَيِّدَةِ اعْتِيَاضٌ عَنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا لِقَوْلِهِ «جَيِّدُهَا، وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا لِسُقُوطِ قِيمَتِهَا شَرْعًا، وَالسَّاقِطُ شَرْعًا، وَالْعَدَمُ الْأَصْلِيُّ سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْعَلَ اسْتِيفَاءً لَعَيْنِ الْحَقِّ، أَوْ يُجْعَلَ مُعَاوَضَةً لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرَّدِيءِ لَا فِي الْجَيِّدِ، فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ فَيَصِيرُ بَائِعًا أَلْفًا نَبَهْرَجَةً بِخَمْسِمِائَةٍ جَيِّدَةٍ فَيَكُونُ رِبًا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الدَّنَانِيرِ، وَالصُّلْحُ مِنْهَا عَلَى دَنَانِيرَ كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.

وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ، أَوْ مِنْ دَنَانِيرَ عَلَى دَرَاهِمَ؛ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ.

وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَمِائَةَ دِينَارٍ، فَصَالَحَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرٍ؛ جَازَ، وَطَرِيقُ جَوَازِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ حَطًّا لَا مُعَاوَضَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُعَاوَضَةً؛ لَبَطَلَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضُ الْمِائَةِ عِوَضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ، وَالْبَعْضُ عِوَضًا عَنْ الدَّرَاهِمِ، فَيَصِيرُ بَائِعًا تِسْعَمِائَةٍ بِخَمْسِينَ، فَيَكُونُ رِبًا، وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا لِلدَّنَانِيرِ أَصْلًا، وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>