للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَازَ، وَتَكُونُ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَعَيَّنَتْ وَاجِبَةً بِتَعْيِينِ الْقَاضِي، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ وَاجِبًا فَكَانَتْ الْبَقَرُ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ فَكَانَتْ مُعَاوَضَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ احْتِرَازًا عَنْ الِافْتِرَاقِ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمَفْرُوضِ بِأَنْ صَالَحَ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ جَازَ، وَيَكُونُ مُعَاوَضَةً، وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ صَالَحَ عَلَى قِيمَةِ الْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ جَازَ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْإِبِلِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، وَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلِ فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا مُعَاوَضَةً فَيَجُوزُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ، وَكَذَلِكَ إذَا صَالَحَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى دَرَاهِمَ فِي الذِّمَّةِ، وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءُ عَيْنِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْوَاجِبَ فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ دِينًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ إذَا جَاءَ بِقِيمَتِهِ يُجْبَرُ مَنْ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً هَذَا إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْإِبِلِ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّرَاهِمَ، وَالدَّنَانِيرَ فَصَالَحَ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ سِوَى الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، أَوْ بَقَرٍ لَيْسَ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَأَنَّهَا أَثْمَانٌ فَتَتَعَيَّنُ هَذِهِ مَبِيعَةً وَبَيْعُ الْمَبِيعِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَرِيقِ السَّلَمِ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى الْمَفْرُوضِ فِي بَابِ الدِّيَةِ فَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ أَصْلًا كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ سِوَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَدْخُلُ لَهُ فِي الْفَرْضِ قَبْلَ تَعْيِينِ الْقَاضِي؛ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَفْرُوضِ لَكِنْ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَيَجُوزُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْيِينِ الْقَاضِي فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ.

وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصُّلْحِ عَنْ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسُكُوتِهِ بِحُكْمِ الصُّلْحِ عَنْ إقْرَارِهِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مَالًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَمَّا إذَا كَانَ مَنْفَعَةً بِأَنْ صَالَحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضٍ، أَوْ سُكْنَى دَارٍ، وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ الصُّلْحُ، وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ سَوَاءً كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ عَنْ إنْكَارِهِ، أَوْ عَنْ سُكُوتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، وَقَدْ وُجِدَ أَمَّا فِي مَوْضِعِ الْإِقْرَارِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الصُّلْحِ عِوَضٌ عَنْ الْمُدَّعَى، وَكَذَا فِي مَوْضِعِ الْإِنْكَارِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَفِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عِوَضٌ عَنْ الْخُصُومَةِ وَالْيَمِينِ، وَكَذَا فِي السُّكُوتِ؛ لِأَنَّ السَّاكِتَ مُنْكِرٌ حُكْمًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا، أَوْ دَيْنًا لَكِنَّ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ قَدْ يَكُونُ بِالْعَيْنِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدَّيْنِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْفَعَةً فَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا إذَا صَالَحَ مِنْ سُكْنَى دَارٍ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَنَافِعِ إجَارَةً يَصِحُّ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْإِجَارَاتُ، وَيَفْسُدُ بِمَا تَفْسُدُ بِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ أَنْ يُعْتِقَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ يَقِفُ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَإِنَّهُ قَائِمٌ فَأَشْبَهَ إعْتَاقَ الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمَرْهُونِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ بَعْدَ مِلْكِ الْيَدِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمَرْهُونِ.

وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ صَارَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالصُّلْحِ فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ مَلَكَهَا مِنْ غَيْرِهِ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ، وَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الصُّلْحِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ، كَمَا لَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ آجَرَهُ مِنْ الْمُؤَاجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْأُولَى، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ كَذَا هَذَا، وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةَ أَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ خِدْمَتِي السَّفَرِ، وَالْحَضَرِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُسَافَرَةَ بِالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلْخِدْمَةِ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِالْآجِرِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُلْزِمُهُ بِرَدِّهِ مُؤْنَةً تَزِيدُ عَلَى الْأُجْرَةِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْمُسَافِرَةَ بِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى هَهُنَا مُنْعَدِمٌ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَلْزَمُ صَاحِبَ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ وَالْعَبْدَ الْمَرْهُونَ، وَهُمَا يَمْلِكَانِ الْمُسَافَرَةَ بِهِ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَارًا فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ سَنَةً، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى الْمُدَّعِي؛ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِبَدَلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي زَعْمِهِ سَنَةً، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَصَرِّفٌ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فِي زَعْمِهِ فَيَجُوزُ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا، فَلَا يَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>