عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ زَالَتْ أَمْلَاكُهُ عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ حِينِ ارْتَدَّ، فَكَأَنَّهُ مَاتَ؛ فَبَطَلَتْ شَرِكَتُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ فَقَدْ زَالَ التَّوَقُّفُ، وَجُعِلَ كَأَنَّ الرِّدَّةَ لَمْ تَكُنْ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُرْتَدَّ مِنْهُمَا إذَا أَقَرَّ ثُمَّ قُتِلَ لَمْ يَلْزَمْ إقْرَارُهُ شَرِيكَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ، فَقَدْ أَقَرَّ بَعْدَ بُطْلَانِ الشَّرِكَةِ.
(وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِهِمَا فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ، وَكَذَا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عِنْدَهُمَا إنَّمَا بَطَلَتْ بِالْقَتْلِ أَوْ بِاللَّحَاقِ، فَكَانَتْ بَاقِيَةً قَبْلَ ذَلِكَ، فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ وَإِقْرَارُهُ، وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَارِكَ الذِّمِّيَّ؛ لِأَنَّهُ يُبَاشِرُ عُقُودًا لَا تَجُوزُ فِي الْإِسْلَامِ، فَيَحْصُلُ كَسْبُهُ مِنْ مَحْظُورٍ فَيُكْرَهُ، وَلِهَذَا كُرِهَ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ.
وَلَوْ شَارَكَهُ شَرِكَةَ عِنَانٍ، جَازَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ، (وَمِنْهَا) لَفْظُ الْمُفَاوَضَةِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ لِلْمُفَاوَضَةِ شَرَائِطَ لَا يَجْمَعُهَا إلَّا لَفْظُ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ عِبَارَةٌ أُخْرَى تَقُومُ مَقَامَهَا، وَالْعَوَامُّ قَلَّمَا يَقِفُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذِهِ الْعُقُودُ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ تُجْرَى بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَاءِ شَرَائِطِهَا بِلَفْظٍ آخَرَ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ لِمَعَانِيهَا لَا عَيْنِ الْأَلْفَاظِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ الشُّرُوطِ بِالْمُفَاوَضَةِ كَانَتْ الشَّرِكَةُ عِنَانًا؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَضَمَّنَتْ الْعِنَانَ وَزِيَادَةً، فَبُطْلَانُ الْمُفَاوَضَةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعِنَانِ، وَلِأَنَّ فَقْدَ شَرْطٍ فِي عَقْدٍ إنَّمَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ مَا يَقِفُ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَقِفُ صِحَّةُ الْعِنَانِ عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ فَفُقْدَانُهَا لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ.
(وَأَمَّا) شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَلَا يُرَاعَى لَهَا شَرَائِطُ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا أَهْلِيَّةُ الْكَفَالَةِ حَتَّى تَصِحَّ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ كَفَالَتُهُ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَلَا الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ رَأْسَيْ الْمَالِ، فَيَجُوزُ مَعَ تَفَاضُلِ الشَّرِيكَيْنِ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَمَعَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ آخَرُ يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ سِوَى رَأْسِ مَالِهِ الَّذِي شَارَكَهُ صَاحِبُهُ فِيهِ، وَلَا أَنْ يَكُونَ فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ بَلْ يَجُوزُ عَامًّا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي عُمُومِ التِّجَارَاتِ، وَخَاصًّا وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ كَالْبَزِّ وَالْخَزِّ وَالرَّقِيقِ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ فِي الْمُفَاوَضَاتِ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهَا وَهُوَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْعِنَانِ وَلَا لَفْظَةِ الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فِي الْمُفَاوَضَةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى شَرَائِطَ مُخْتَصَّةٍ بِالْمُفَاوَضَةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْعِنَانِ فَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظَةِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا إلَى لَفْظَةِ الْعِنَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الْمُفَاوَضَةِ وَلَا الْمُسَاوَاةِ فِي الرِّبْحِ، فَيَجُوزُ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاوِيًا لِمَا قُلْنَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ عِنْدَنَا إمَّا بِالْمَالِ وَإِمَّا بِالْعَمَلِ وَإِمَّا بِالضَّمَانِ، أَمَّا ثُبُوتُ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْمَالِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ نَمَاءُ رَأْسِ الْمَالِ فَيَكُونُ لِمَالِكِهِ، وَلِهَذَا اسْتَحَقَّ رَبُّ الْمَالِ الرِّبْحَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَأَمَّا بِالْعَمَلِ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ فَكَذَا الشَّرِيكُ.
وَأَمَّا بِالضَّمَانِ فَإِنَّ الْمَالَ إذَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الرِّبْحِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمُقَابَلَةِ الضَّمَانِ خَرَاجًا بِضَمَانِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، فَإِذَا كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ كَانَ خَرَاجُهُ لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ صَانِعًا تَقَبَّلَ عَمَلًا بِأَجْرٍ ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ قَبِلَهُ لِغَيْرِهِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ، وَلَا سَبَبَ لِاسْتِحْقَاقِ الْفَضْلِ إلَّا الضَّمَانَ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ صَالِحٌ لِاسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: تَصَرَّفْ فِي مِلْكِكَ عَلَى أَنَّ لِي بَعْضَ رِبْحِهِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَا مَالَ وَلَا عَمَلَ وَلَا ضَمَانَ، إذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: إذَا شَرَطَا الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ سَوَاءٌ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْوَضِيعَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ اسْمٌ لِجُزْءٍ هَالِكٍ مِنْ الْمَالِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمَالَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَشَرَطَا لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا عَلَى رِبْحٍ يُنْظَرُ إنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا جَازَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ ﵀ وَلَا خِلَافَ فِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهَا تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الشَّرِيكَانِ فِي مِلْكِ مَاشِيَةٍ لِأَحَدِهِمَا فَضْلًا مِنْ أَوْلَادِهَا وَأَلْبَانِهَا، لَمْ تَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ وَالْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ زُفَرَ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ عِنْدَهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ.
(وَأَمَّا) عِنْدَنَا فَالرِّبْحُ تَارَةً يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَتَارَةً بِالْعَمَلِ وَتَارَةً بِالضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَسَوَاءٌ عَمِلَا جَمِيعًا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا يَكُونُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute