للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ، بِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ قَدْرٌ مَعْلُومٌ مِنْ الْأُجْرَةِ فَكَانَ الرِّضَا بِهِ إسْقَاطًا لِمَا زَادَ عَلَيْهِ وَالْمُسَمَّى هُنَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ بَلْ هُوَ مَعْدُومٌ؛ لِأَنَّهُ مَا سَمَّى إلَّا نِصْفَ الْحَطَبِ أَوْ ثُلُثَهُ، وَالرِّضَا بِغَيْرِ الْمَعْلُومِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ مُسْقِطَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ أَجْرِ مِثْلِهِ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الْمُضَارَبَةُ الْفَاسِدَةُ إذَا رَبِحَ الْمُضَارِبُ فِيهَا أَنَّ لَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى مِنْ الرِّبْحِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رِبْحٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَجْلَسَ فِي دُكَّانِهِ رَجُلًا يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ، فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَحَدِهِمَا الْعَمَلَ وَمِنْ الْآخَرِ الْحَانُوتَ، وَالْحَانُوتُ مِنْ الْعُرُوضِ، وَشَرِكَةُ الْعُرُوضِ غَيْرُ جَائِزَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّهَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ، وَتَقَبُّلُ الْعَمَلِ مِنْ صَاحِبِ الْحَانُوتِ عَمَلٌ، وَشَرِكَةُ الْأَعْمَالِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الْوَكَالَةِ وَالْوَكَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ جَائِزَةٌ، بِأَنْ يُوَكِّلَ خَيَّاطٌ أَوْ قَصَّارٌ وَكِيلًا يَتَقَبَّلُ لَهُ عَمَلَ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ، وَكَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ صَانِعٍ يَعْمَلُ بِأَجْرٍ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ فَإِنْ كَانَ لَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا كَانَ مَا أَصَابَ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا فَمَا أَصَابَ الْكَلْبُ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ إرْسَالَ الْأَجْنَبِيِّ لَا عِبْرَةَ بِهِ مَعَ إرْسَالِ الْمَالِكِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ كَأَنَّ الْمَالِكُ أَرْسَلَهُ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلْبَهُ فَأَصَابَا صَيْدًا وَاحِدًا كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ أَصَابَ كَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَيْدًا عَلَى حِدَةٍ كَانَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ فَاخْتَصَّ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَكَ رَجُلَانِ وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخِرِ بَعِيرٌ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَا ذَلِكَ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَهُمَا فَآجَرَاهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ وَحِمْلٍ مَعْلُومٍ إنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ فَاسِدَةٌ وَيُقْسَمُ الْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ، أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ: أَجِّرْ بَعِيرَكَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ بَيْنَنَا؛ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ كَذَا الشَّرِكَةُ؛ وَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَصِحُّ فِي أَعْيَانِ الْحَيَوَانِ فَكَذَا فِي مَنَافِعِهَا.

وَأَمَّا قِسْمَةُ الْأَجْرِ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْبَعِيرِ؛ فَلِأَنَّ الشَّرِكَةَ إذَا فَسَدَتْ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ وَمِنْ حُكْمِ الْأُجْرَةِ أَنْ تُقَسَّمَ عَلَى قِيمَةِ الْمَنَافِعِ كَمَا يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَاجِرَا الْبَغْلَ وَالْبَعِيرَ وَلَكِنَّهُمَا تَقَبَّلَا حُمُولَةً مَعْلُومَةً بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ فَحَمَلَا الْحُمُولَةَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْحِمْلَ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا بِالْعَقْدِ بِمَنْزِلَةِ عَمَلِ الْخِيَاطَةِ وَالْقِصَارَةِ، فَكَانَ الْبَدَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ الضَّمَانِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي الضَّمَانِ فَيَتَسَاوَيَا فِي الْأُجْرَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ حِمْلِ الْبَعِيرِ عَلَى الْبَغْلِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِكَثْرَةِ عَمَلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُقَابِلُ الضَّمَانَ، وَالْبَغْلُ وَالْبَعِيرُ هُنَا آلَةُ إيفَاءِ الْعَمَلِ وَلَوْ آجَرَ الْبَعِيرَ بِعَيْنِهِ، كَانَتْ أُجْرَتُهُ لِصَاحِبِهِ لَا لِصَاحِبِ الْبَغْلِ، وَكَذَا إذَا آجَرَ الْبَغْلَ بِعَيْنِهِ؛ كَانَتْ الْأُجْرَةُ لِصَاحِبِ الْبَغْلِ لَا لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى مَنَافِعِ الْبَعِيرِ وَالْبَغْلِ بِإِذْنِ مَالِكِهِمَا، فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ لَهُ، فَإِنْ كَانَ الْآجِرُ أَعَانَهُ عَلَى الْحُمُولَةِ وَالنُّقْلَانِ؛ كَانَ لِلَّذِي أَعَانَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ شَرِيكِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ بِهِ نِصْفَ الْأَجْرِ الَّذِي آجَرَ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي شَرِكَةِ الِاحْتِطَابِ، قَصَّارَانِ لَأَحَدِهِمَا أَدَاةُ الْقِصَارَةِ، وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَا بِأَدَاةِ هَذَا فِي بَيْتِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْكَسْبَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ الصَّاغَةُ وَالْخَيَّاطُونَ وَالصَّبَّاغُونَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْعَمَلِ لَا عَنْ الْآلَةِ، وَقَدْ صَارَ الْعَمَلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا فَكَانَ بَدَلُهُ لَهُمَا وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُعِينًا لِلْآخَرِ بِنِصْفِ الْآلَةِ، وَالْآخَرُ مُعِينًا لَهُ بِنِصْفِ الدُّكَّانِ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ أَنْ يَتَقَبَّلَا حُمُولَةً وَيَحْمِلَاهَا عَلَى دَابَّتِهِمَا.

وَلَوْ اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا دَابَّةٌ وَلِلْآخَرِ إكَافٌ وَجُوَالِقَانِ عَلَى أَنْ يُؤَاجِرَا الدَّابَّةَ عَلَى أَنَّ أَجْرَهُمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً، وَأَجْرُ الدَّابَّةِ لِصَاحِبِهَا وَلِلْآخَرِ مَعَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، أَمَّا فَسَادُ الشَّرِكَةِ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَكَالَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا تَصِحُّ كَذَا الشَّرِكَةُ.

وَأَمَّا الْأَجْرُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ مَنَافِعِ الدَّابَّةِ فَكَانَتْ لِصَاحِبِهَا وَقَدْ اسْتَوْفَى مَنَافِعَ آلَةِ الْآخَرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>