للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَبَضَهُ الْمُضَارِبُ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْمَالُ عَلَى مَا سَمَّيَا مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَالْبِضَاعَةُ وَالْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَنِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَنِصْفُهُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ فِي الْمَالِ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً، وَجَازَتْ الْمُضَارَبَةُ وَالْبِضَاعَةُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُبْضِعِ وَالْمُضَارِبِ فِي الْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةُ وَحِصَّةُ الْبِضَاعَةِ مِنْ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُبْضِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَحِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُضَارَبَةُ قَدْ صَحَّتْ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ.

وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ نِصْفَهَا وَدِيعَةٌ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَنِصْفُهَا مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَالْمَالُ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَلَى مَا سَمَّيَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْنِي الْوَدِيعَةَ وَالْمُضَارَبَةَ أَمَانَةٌ، فَلَا يَتَنَافَيَانِ، فَكَانَ نِصْفُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ وَدِيعَةً، وَنِصْفُهُ مُضَارَبَةً إلَّا أَنَّ التَّصَرُّفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ بَعْضُهُ مُضَارَبَةٌ وَبَعْضُهُ وَدِيعَةٌ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ لَا يَجُوزُ، فَإِنْ قَسَمَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ نِصْفَيْنِ ثُمَّ عَمِلَ بِأَحَدِ النِّصْفَيْنِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، فَرَبِحَ أَوْ وُضِعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ نِصْفَانِ، وَنِصْفُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ وَنِصْفُهُ عَلَى مَا شَرَطَا؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْمُضَارِبِ الْمَالَ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهَا، فَإِذَا أُفْرِزَ بَعْضُهُ فَقَدْ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَمَا كَانَ فِي حِصَّةِ الْوَدِيعَةِ فَهُوَ غَصْبٌ فَيَكُونُ رِبْحُهُ لِلْغَاصِبِ، وَمَا كَانَ فِي حِصَّةِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ.

وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَا إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَتَاعًا، فَبَاعَ نِصْفَهُ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ النِّصْفَ الْبَاقِي وَيَعْمَلَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ مُضَارَبَةً، عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، فَبَاعَ الْمُضَارِبُ نِصْفَ الْمَتَاعِ بِخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ عَمِلَ بِهَا وَبِالْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، فَرَبِحَ فِي ذَلِكَ أَوْ وُضِعَ فَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ شَيْئًا لَا يَصِحُّ، وَالْمُشْتَرَى يَكُونُ لِلْمَأْمُورِ لَا لِلْآمِرِ، وَيَكُونُ الدَّيْنُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَالَّةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَهُنَا أَمْرٌ أَنْ يَعْمَلَ بِالدَّيْنِ وَبِنِصْفِ ثَمَنِ الْمُبَاعِ، فَمَا رَبِحَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَهُوَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ رِبْحُهُ لَهُ، وَمَا رَبِحَ فِي نَصِيبِ الدَّافِعِ فَهُوَ لِلدَّافِعِ، وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْهَالِكُ بَيْنَهُمَا.

(وَأَمَّا) فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَمِقْدَارُ مَا رَبِحَ فِي الْخَمْسِمِائَةِ الَّتِي أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الْمَتَاعِ بِهَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى مَا شَرَطَا، وَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ، وَتَكُونُ الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى صَارَ عُرُوضًا، وَالْمُضَارَبَةُ بِالْعُرُوضِ لَا تَصِحُّ، فَصَارَتْ الْمُضَارَبَةُ هُنَا جَائِزَةً فِي النِّصْفِ فَاسِدَةً فِي النِّصْفِ، فَالرِّبْحُ فِي الصَّحِيحَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ، وَفِي الْفَاسِدَةِ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَلَوْ شَرَطَ الدَّافِعُ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثَيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَإِنَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: ثُلُثَا الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، نِصْفُ الرِّبْحِ مِنْ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ خَاصَّةً، وَالسُّدُسُ مِنْ نَصِيبِ الدَّافِعِ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: اعْمَلْ فِي نَصِيبِكَ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَكَ، وَاعْمَلْ فِي نَصِيبِي عَلَى أَنَّ لَكَ ثُلُثَ الرِّبْحِ مِنْ نَصِيبِي.

(وَأَمَّا) عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا فَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَهُ مُضَارَبَةً جَائِزَةً، وَنِصْفَهُ مُضَارَبَةً فَاسِدَةً، فَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي كَانَ دَيْنًا فَهُوَ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ، وَمَا رَبِحَ فِي النِّصْفِ الَّذِي هُوَ ثَمَنُ الْمَتَاعِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، فَصَارَ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَا الرِّبْحِ، وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَيْ الرِّبْحِ، وَلِلْمُضَارِبِ الثُّلُثُ، فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ شَرَطَ النِّصْفَ مِنْ نَصِيبِ نَفْسِهِ، وَالزِّيَادَةَ مِنْ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ وَلَا رَأْسِ مَالٍ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِهِمَا: نِصْفُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ فِيهِ فَاسِدَةٌ، وَلِلْمُضَارِبِ ثُلُثُ رِبْحِ النِّصْفِ الْآخَرِ.

(وَمِنْهَا) تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ يَدِ الدَّافِعِ عَلَى الْمَالِ؛ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ مَعَ بَقَاءِ يَدِهِ، حَتَّى لَوْ شَرَطَ بَقَاءَ يَدِ الْمَالِكِ عَلَى الْمَالِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ، لِمَا قُلْنَا فَرِّقْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَلَى مَالِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ انْعَقَدَتْ عَلَى رَأْسِ مَالٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَعَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَمَلُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ يَدِ رَبِّ الْمَالِ، فَكَانَ هَذَا شَرْطًا مُوَافِقًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَلَى الْعَمَلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَشَرْطُ زَوَالِ يَدِ رَبِّ الْمَالِ عَنْ الْعَمَلِ يُنَاقِضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>