مِنْ الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِمَانِعٍ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ، فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ يَشْتَرِي بِهِ الْمُضَارِبُ وَيَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَيَكُونُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ كَالثَّمَنِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ: إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ عَبْدَانِ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ، فَقَتَلَ رَجُلٌ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ عَمْدًا، لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَ رَبِّ الْمَالِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي مَالِهِ، وَيَكُونُ فِي الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا وَالْأَصْلُ أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ بِالْقَتْلِ الْقِصَاصُ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ بِالْقَتْلِ مَالٌ فَالْمَالُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إذَا اُسْتُوْفِيَ فَقَدْ هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ، وَهَلَاكُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ، وَالْقِيمَةُ بَدَلُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ، فَكَانَتْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ كَالثَّمَنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ بِبَعْضِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، لَا لِرَبِّ الْمَالِ، وَلَا لِلْمُضَارِبِ، وَلَا لَهُمَا إذَا اجْتَمَعَا أَمَّا رَبُّ الْمَالِ فَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ لَا يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِرَأْسِ الْمَالِ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ وَلِهَذَا لَوْ عَفَا الْمَرِيضُ عَنْ الْقِصَاصِ كَانَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِذَا لَمْ يَصِرْ بِهِ مُسْتَوْفِيًا رَأْسَ مَالِهِ، يَسْتَوْفِي رَأْسَ الْمَالِ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَالِ، وَإِذَا اسْتَوْفَى تَبَيَّنَ أَنَّ الْعَبْدَ كَانَ رِبْحًا، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ.
(وَأَمَّا) الْمُضَارِبُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا الْإِجْمَاعُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ إذَا اُدُّعِيَ عَلَى عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ، أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْوَلِيِّ لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ - عَلَيْهِمَا الرَّحْمَةُ: يُشْتَرَطُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: لَا يُشْتَرَطُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْعَبْدَ فِي بَابِ الْقِصَاصِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْوَلِيُّ فَلَا يَقِفُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ عَلَى حُضُورِ الْمَوْلَى كَالْحُرِّ.
(وَلَهُمَا) أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ يَتَعَلَّقُ بِهَا اسْتِحْقَاقُ رَقَبَةِ الْعَبْدِ، فَلَا تُسْمَعُ مَعَ غَيْبَةِ الْمَوْلَى كَالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ، وَالْبَيِّنَةُ الْقَائِمَةُ عَلَى جِنَايَةِ الْخَطَإِ وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا: لَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِقَتْلٍ عَمْدًا، فَكَذَّبَهُ الْمَوْلَى وَالْمُضَارِبُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقِصَاصِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ، وَهُوَ مِمَّا يُمْلَكُ، فَيَمْلِكُهُ الْعَبْدُ كَالطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَ الدَّمُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْعَبْدُ فَعَفَا أَحَدُهُمَا، فَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْجِنَايَةِ انْقَلَبَ مَالًا وَإِقْرَارُ الْعَبْدِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي حَقِّ الْمَالِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَرَّ بِجِنَايَةِ الْخَطَإِ، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ صَدَّقَهُ فِي إقْرَارِهِ، وَكَذَّبَهُ الْمُضَارِبُ، قِيلَ لِرَبِّ الْمَالِ: ادْفَعْ نِصْفَ نَصِيبِكَ أَوْ: افْدِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُضَارِبُ صَدَّقَهُ، وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَالِ، قِيلَ لِلْمُضَارِبِ: ادْفَعْ نَصِيبَكَ أَوْ: افْدِهِ وَصَارَ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إذَا أَقَرَّ فِي الْعَبْدِ بِجِنَايَةٍ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ.
(وَأَمَّا) وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى عَبْدِ الْمُضَارَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ بِقَتْلِهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِقَتْلِهِ لِكَوْنِ مُسْتَحِقِّ الدَّمِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْقَاتِلُ، فَالْمُسْتَحِقُّ لِلْقِصَاصِ هُوَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ، وَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ، وَتَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَالِ مِنْ مُضَارِبِهِ فَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً، أَوْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً لَكِنْ يَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَبِيعُهُ كَيْفَ شَاءَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَوَازَ شِرَاءِ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الْمُضَارِبِ، وَالْمُضَارِبِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ ثَبَتَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ اشْتَرَى مَالَ نَفْسِهِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَالْمُضَارِبُ يَبِيعُ مَالَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ إذْ الْمَالَانِ مَالُهُ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِالْمَالِ وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ، فَجُعِلَ ذَلِكَ بَيْعًا فِي حَقِّهِمَا لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، بَلْ جُعِلَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَلِأَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعٌ يُجْرِيهِ الْبَائِعُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَاسْتِخْلَافٍ، فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَعَنْ شِبْهِ الْجِنَايَةِ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا؛ لِجَوَازِ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ بَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَرَضِيَ بِهِ الْمُضَارِبُ؛ لِأَنَّ الْجُودَ بِمَالِ الْغَيْرِ أَمْرٌ سَهْلٌ، فَكَانَ تُهْمَةُ الْجِنَايَةِ ثَابِتَةً، وَالتُّهْمَةُ فِي هَذَا الْبَابِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، فَلَا يَبِيعُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: إذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، فَاشْتَرَى رَبُّ الْمَالِ عَبْدًا بِخَمْسِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ الْمُضَارِبَ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الثَّمَنَيْنِ إلَّا إذَا بَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ، فَيَبِيعُهُ كَيْفَ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ التُّهْمَةُ وَقَدْ زَالَتْ وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، فَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ، بَاعَهُ رَبُّ الْمَالِ مُرَابَحَةً بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ