فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الشَّرْطِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَالشِّرَاءُ بِأَلْفٍ، وَهِيَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ، فَضَاعَتْ، غَرِمَهَا رَبُّ الْمَالِ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَقَعَ بِأَلْفٍ فَقَدْ وَقَعَ بِثَمَنٍ، كُلِّهِ رَأْسُ الْمَالِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِي الثَّانِي، فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ هُنَاكَ الشِّرَاءَ وَقَعَ بِأَلْفَيْنِ فَظَهَرَ رِبْحُ الْمُضَارِبِ، وَهَلَكَ رُبْعُ الْجَارِيَةِ، فَيَغْرَمُ حِصَّةَ ذَلِكَ الرُّبْعِ مِنْ الثَّمَنِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُضَارِبِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، أَلْفٌ رِبْحٌ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، فَضَاعَتْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا الْبَائِعَ، إنَّهُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُضَارِبِ الرُّبْعَ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ، وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ، وَهَذَا عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَيْنِ، بِأَمَةٍ تُسَاوِي أَلْفًا، وَقَبَضَ الَّتِي اشْتَرَاهَا، وَلَمْ يَدْفَعْ أَمَتَهُ حَتَّى مَاتَتَا جَمِيعًا فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ الَّتِي اشْتَرَى، وَهِيَ أَلْفٌ، يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا، وَلَا فَضْلَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهَذَا إنَّمَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُضَارِبُ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ، إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِلَّا فَشِرَاءُ الْمُضَارِبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي نَوَادِرِهِ، فِي رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى الْمُضَارِبُ وَبَاعَ حَتَّى صَارَ الْمَالُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ، فَاشْتَرَى بِثَلَاثَةِ آلَافٍ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ، قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ أَلْفٌ، وَلَمْ يَنْقُدْ الْمَالَ حَتَّى ضَاعَ قَالَ: يَغْرَمُ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ مِلْكٌ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْعَبِيدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ، لِهَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِمْ، فَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ ثَمَنِهِمْ.
وَقَدْ عَلَّلَ مُحَمَّدٌ لِهَذَا فَقَالَ مِنْ قَبْلُ: إنَّ الْمُضَارِبَ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ عِتْقُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْعَبِيدِ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ مُحَمَّدًا يَعْتَبِرُ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمُضَارِبِ الَّذِي يَغْرَمُهُ دُونَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْمُضَارِبَ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى هَلَكَ، كَانَ الْمُعْتَبَرُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، فَإِنْ كَانَ مَا يَضْمَنُهُ زَائِدًا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ، كَانَ عَلَى الْمُضَارِب حِصَّةُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الضَّمَانَ فَقَدْ ضَمِنَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، أَوْ يَكُونَ الشَّرْطُ فِيمَا صَارَ مَضْمُونًا عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَتَعَيَّنَ حَقُّهُ فِيهِ، وَهُنَا وَإِنْ ضَمِنَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقُّهُ فِيهِ، وَأَمَّا تَعْلِيلُهُ بِعَدَمِ نَفَاذِ الْعِتْقِ فَلَا يَطَّرِدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفًا، يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَعَلَ نُفُوذَ الْعِتْقِ فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ بِأَلْفَيْنِ، وَقِيمَتُهَا أَلْفَانِ عَلَيْهِ؛ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، فَمَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ، يَكُونُ عَكْسَ الْعِلَّةِ، فَلَا يَلْزَمُهُ طَرْدُهُ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إذَا اشْتَرَى الْمُضَارِبُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ، فَفَقَدَ الْمَالَ، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: اشْتَرَيْتُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ ضَاعَ الْمَالُ وَقَالَ الْمُضَارِبُ: اشْتَرَيْتُهُ بَعْدَ مَا ضَاعَ، وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْمَالَ عِنْدِي فَإِذَا قَدْ ضَاعَ قَبْلَ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّ الْحَالَ يَشْهَدُ بِهِ أَيْضًا، وَهُوَ هَلَاكُ الْمَالِ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُضَارِبِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُضَارَبَةِ الْكَبِيرَةِ إذَا اخْتَلَفَا، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ: ضَاعَ قَبْلَ أَنْ تَشْتَرِيَ الْجَارِيَةَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِكَ، وَقَالَ الْمُضَارِبُ: ضَاعَ الْمَالُ بَعْدَ مَا اشْتَرَيْتُهَا، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ آخُذَكَ بِالثَّمَنِ، وَلَا أَعْلَمُ مَتَى ضَاعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ مَعَ يَمِينِهِ، وَعَلَى الْمُضَارِبِ الْبَيِّنَةُ، أَنَّهُ اشْتَرَى وَالْمَالُ عِنْدَهُ إنَّمَا ضَاعَ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَنْفِي الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْمُضَارِبُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الضَّمَانَ؛ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وُقُوعَ الْعَقْدِ لَهُ، وَرَبُّ الْمَالِ يُنْكِرُ ذَلِكَ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلِأَنَّ الْحَالَ وَهُوَ الْهَلَاكُ شَهِدَ لِرَبِّ الْمَالِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الضَّمَانَ فَكَانَتْ أَوْلَى.
وَإِذَا انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ، وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ، وَامْتَنَعَ عَنْ التَّقَاضِي وَالْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أُجْبِرَ عَلَى التَّقَاضِي وَالْقَبْضِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِمَا، وَقِيلَ لَهُ: أَحِلَّ رَبَّ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ رِبْحٌ كَانَ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ، فَيَكُونُ عَمَلُهُ عَمَلَ الْأَجِيرِ، وَالْأَجِيرُ مَجْبُورٌ عَلَى الْعَمَلِ فِيمَا الْتَزَمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِبْحٌ لَمْ تُسَلَّمْ لَهُ مَنْفَعَةٌ، فَكَانَ عَمَلُهُ عَمَلَ الْوُكَلَاءِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ الْعَمَلِ، كَمَا لَا يُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُؤْمَرُ الْمُضَارِبُ أَوْ الْوَكِيلُ أَنْ يُحِيلَ رَبَّ الْمَالِ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ حَتَّى يُمْكِنَهُ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ رَاجِعَةٌ إلَى الْعَاقِدِ، فَلَا يُثْبِتُ وِلَايَةَ الْقَبْضِ لِلْآمِرِ إلَّا بِالْحَوَالَةِ مِنْ الْعَاقِدِ، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحِيلَهُ بِالْمَالِ حَتَّى لَا يُتْوَى حَقُّهُ.
وَلَوْ ضَمِنَ الْعَاقِدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute