مِنْهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُمَا فِي الْكُلِّ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي النِّصْفِ عِنْدَ الِانْقِسَامِ ضَرُورَةُ الْمُزَاحِمَةِ وَاسْتِوَائِهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ إذْ لَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ لِدُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى السَّوَاءِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ أَنَّ الْمِيرَاثَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَالِ.
وَإِذَا جَاءَتْ الْمُزَاحَمَةُ مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ يَثْبُتُ عِنْدَ انْقِسَامِ الْمِيرَاثِ فِي النِّصْفِ وَكَذَا الشَّفِيعَانِ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْذَ نِصْفِ الدَّارِ بِالشُّفْعَةِ لِضَرُورَةِ الْمُزَاحَمَةِ وَالِاسْتِوَاءِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَالِحًا لِإِثْبَاتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ فِي الْكُلِّ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ أَحَدُهُمَا يَكُونُ الْكُلُّ لِلْآخَرِ وَعَلَى هَذَا مَسَائِلَ فَلَمْ يَكُنْ الِانْقِسَامُ عَلَى التَّنَاصُفِ مُوجِبَ الصِّيغَةِ بَلْ لَتَضَايُقِ الْمَحَلِّ لِهَذَا جَازَ الرَّهْنُ مِنْ رَجُلٍ فَكَانَ ذَلِكَ رَهْنًا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ إذْ لَوْ كَانَ رَهَنَ النِّصْفَ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفَ مِنْ ذَلِكَ لَمَا جَازَ لِأَنَّهُ يَكُونُ رَهَنَ الْمُشَاعِ لِهَذَا لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا كَانَ لِلْآخَرِ حَبْسُ الْكُلِّ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ رَهْنُ الْكُلِّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا هَذَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى الشَّائِعِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا إذَا مَلَكَ نِصْفَ الدَّارِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالنِّصْفَ مِنْ الْآخَرِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى الشَّائِعِ أَنَّ قَوْلَهُ وَهَبْتُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْكُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْلِيكَ كُلِّ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْلِيكَ النِّصْفِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالنِّصْفِ مِنْ الْآخَرِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ وَالْمُحَالُ لَا يَكُونُ مُوجِبَ الْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَمْلِيكَ النِّصْفِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالنِّصْفِ مِنْ الْآخَرِ لِهَذَا لَمْ يَمْلِكْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ الدَّارِ بَلْ فِي نِصْفِهَا وَلَوْ كَانَ كُلُّ الدَّارِ مَمْلُوكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمَلَكَ وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مُطَالَبَةَ صَاحِبِهِ بِالتَّهَايُؤِ أَوْ بِالْقِسْمَةِ وَهَذَا آيَةُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ فِي النِّصْفِ وَإِذَا كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّارِ لَهُمَا عَلَى التَّنَاصُفِ كَانَ تَمْلِيكًا مُضَافًا إلَى الشَّائِعِ كَأَنَّهُ أَفْرَدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعَقْدَ فِي النِّصْفِ وَالشُّيُوعُ يُؤَثِّرُ فِي الْقَبْضِ الْمُمَكِّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى مَا مَرَّ.
وَقَدْ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمَا أَنَّ مُوجِبَ الصِّيغَةِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي كُلِّ الدَّارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا مُحَالٌ وَالْمُحَالُ لَا يَكُونُ مُوجِبَ الْعَقْدِ وَلَا الْعَاقِدُ بِعَقْدِهِ يَقْصِدُ أَمْرًا مُحَالًا أَيْضًا فَكَانَ مُوجِبُ الْعَقْدِ التَّمْلِيكَ مِنْهُمَا عَلَى التَّنَاصُفِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ الدَّارِ مِنْهُمَا فَكَانَ عَمَلًا بِمُوجِبِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ إحَالَةٍ فَكَانَ أَوْلَى بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ تَصْلُحُ مَرْهُونَةً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ الْحَبْسُ وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْحَبْسِ مُتَصَوَّرٌ بِأَنْ يَحْبِسَاهُ مَعًا أَوْ يَضَعَاهُ جَمِيعًا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَتَكُونَ الدَّارُ مَحْبُوسَةً كُلُّهَا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ فِي الْمِلْكِ فَهُوَ الْفَرْقُ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ إذَا وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَسَمَ ذَلِكَ وَسَلَّمَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّيُوعُ عِنْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ زَالَ هَذَا إذَا وَهَبَ مِنْ رَجُلَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يُقْسَمُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ عَلَى أَصْلِهِمَا إذَا قَالَ لِرَجُلَيْنِ وَهَبْتُ لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ لِهَذَا نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا جَازَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِهَذَا نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْعَقْدِ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ تَمْلِيكُ الدَّارِ جُمْلَةً مِنْهُمَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَجُعِلَ تَفْسِيرًا لِحُكْمِهِ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ إشَاعَةً فِي الْعَقْدِ.
وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَك نِصْفَهَا وَلِهَذَا نِصْفَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الشُّيُوعَ دَخَلَ عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ فَمَنَعَ الْجَوَازَ وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكُمَا هَذِهِ الدَّارَ ثُلُثُهَا لِهَذَا وَثُلُثَاهَا لِهَذَا لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَجَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى جَازَ لِاثْنَيْنِ يَسْتَوِي فِيهِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاضُلُ كَعَقْدِ الْبَيْعِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ عِنْد التَّسَاوِي بِطَرِيقِ التَّفْسِيرِ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْعَقْدِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ شُيُوعًا فِي الْعَقْدِ وَلَمَّا فَضَّلَ أَحَدَ النَّصِيبَيْنِ عَنْ الْآخَرِ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ تَفْسِيرًا لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَقْدِ لَا يَحْتَمِلُ التَّفَاضُلَ فَكَانَ تَفْضِيلُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ فِي مَعْنَى إفْرَادِ الْعَقْدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ هِبَةَ الْمُشَاعِ وَالشُّيُوعُ يُؤَثِّرُ فِي الْهِبَةِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ وَلَوْ رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخِرِ ثُلُثَاهُ أَوْ نِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَلِكَ عَلَى التَّفَاضُلِ وَالتَّنَاصُفِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبْهَمَ بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُ مِنْكُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَ مِنْ فَقِيرَيْنِ شَيْئًا يَنْقَسِمُ فَالْهِبَةُ مِنْ فَقِيرَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute