للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَرْجِع فَكَذَا إذَا عَوَّضَ الْأَجْنَبِيّ بِأَمْرِهِ وَإِنْ عَوَّضَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَدْ تَبَرَّعَ بِإِسْقَاطِ الْحَقّ عَنْهُ وَالتَّبَرُّع بِإِسْقَاطِ الْحَقّ عَنْ الْغَيْر جَائِز كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ بِمُخَالَعَةِ امْرَأَة مِنْ زَوْجهَا.

(وَأَمَّا) الْمُعَوِّضُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِع عَلَى الْوَاهِب لِأَنَّ مَقْصُوده مِنْ التَّعْوِيض سَلَامَة الْمَوْهُوب لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِسْقَاط حَقّ التَّبَرُّع وَقَدْ سَلِمَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِع عَلَى الْمَوْهُوب لَهُ.

(أَمَّا) إذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِأَنَّهُ تَبَرُّع بِإِسْقَاطِ الْحَقّ عَنْهُ فَلَا يَمْلِك أَنْ يَجْعَل ذَلِكَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.

(وَأَمَّا) إذَا عَوَّضَ بِأَمْرِهِ لَا يَرْجِع عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا إذَا قَالَ لَهُ عَوِّضْ عَنِّي عَلَى أَنِّي ضَامِن لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِالتَّعْوِيضِ وَلَمْ يَضْمَن لَهُ فَقَدْ أَمَرَهُ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مُتَبَرِّع بِهِ فَلَمْ يُوجَب ذَلِكَ الضَّمَان عَلَى الْآمِر إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَان وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَة يَمِينِي أَوْ أَدِّ زَكَاتِي فَفَعَلَ لَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْآمِر إلَّا أَنْ يَقُول لَهُ عَلَى أَنِّي ضَامِن لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ غَيْره بِقَضَاءِ الدَّيْن فَقَضَاهُ أَنَّهُ يَرْجِع عَلَى الْآمِر وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى يَاسِرٍ أَنِّي ضَامِن نَصًّا لِأَنَّ قَضَاء الدَّيْن مَضْمُون عَلَى الْآمِر فَإِذَا أَمَرَهُ بِهِ فَقَدْ ضَمِنَ لَهُ وَلَوْ عَوَّضَ الْمَوْهُوب لَهُ الْوَاهِب عَنْ نِصْف الْهِبَة كَانَ عِوَضًا عَنْ نِصْفهَا وَكَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِع فِي النِّصْف الْآخَر وَلَا يَرْجِع فِيمَا عُوِّضَ عَنْهُ لِأَنَّ حَقّ الرُّجُوع فِي الْهِبَة مِمَّا يَتَجَزَّأ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِي نِصْف الْهِبَة ابْتِدَاء دُون النِّصْف جَازَ فَجَازَ أَنْ يَثْبُت حَقّ الرُّجُوع فِي النِّصْف بِدُونِ النِّصْف بِخِلَافِ الْعَفْو عَنْ الْقِصَاص وَالطَّلَاق لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأ فَكَانَ إسْقَاط الْحَقّ عَنْ الْبَعْض إسْقَاطًا عَنْ الْكُلّ.

(وَأَمَّا) الْعِوَض الْمَشْرُوط فِي الْعَقْد فَإِنْ قَالَ وَهَبْتُ لَك هَذَا الشَّيْءَ عَلَى أَنْ تُعَوِّضَنِي هَذَا الثَّوْبَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَاهِيَّة هَذَا الْعَقْد قَالَ أَصْحَابنَا الثَّلَاثَة أَنَّ عَقْده عَقْد هِبَة وَجَوَازه جَوَاز بَيْعِ وَرُبَّمَا عَبَّرُوا أَنَّهُ هِبَة ابْتِدَاء بَيْعٌ انْتِهَاء حَتَّى لَا يَجُوز فِي الْمَشَاع الَّذِي يَنْقَسِم وَلَا يَثْبُت الْمِلْك فِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَا قَبْلَ الْقَبْض وَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِع فِي سِلْعَته مَا لَمْ يَقْبِضَا وَكَذَا إذَا قَبَضَ أَحَدهمَا وَلَمْ يَقْبِض الْآخَر فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِع الْقَابِض وَغَيْرُ الْقَابِضِ فِيهِ سَوَاء حَتَّى يَتَقَابَضَا جَمِيعًا وَلَوْ تَقَابَضَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْع يَرُدُّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا بِالْعَيْبِ وَعَدَم الرُّؤْيَة وَيَرْجِع فِي الِاسْتِحْقَاق وَتَجِب الشُّفْعَة إذَا كَانَ غَيْر مَنْقُول وَقَالَ زُفَرُ عَقْده عَقْد بَيْعٍ وَجَوَازه جَوَاز بَيْعٍ ابْتِدَاء وَانْتِهَاء وَتَثْبُت فِيهِ أَحْكَام الْبَيْع فَلَا يَبْطُل بِالشُّيُوعِ وَيُفِيد الْمِلْك بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْر شَرِيطَة الْقَبْض وَلَا يَمْلِكَانِ الرُّجُوع.

(وَجْه) قَوْله إنَّ مَعْنَى الْبَيْع مَوْجُود فِي هَذَا الْعَقْد؛ لِأَنَّ الْبَيْع تَمْلِيك الْعَيْن بِعِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَة وَاخْتِلَافهَا لَا يُوجِب اخْتِلَاف الْحُكْم كَلَفْظِ الْبَيْع مَعَ لَفْظ التَّمْلِيك.

(وَلَنَا) أَنَّهُ وُجِدَ فِي هَذَا الْعَقْد لَفْظ الْهِبَة وَمَعْنَى الْبَيْع، فَيُعْطَى شَبَهَ الْعَقْدَيْنِ فَيُعْتَبَر فِيهِ الْقَبْض وَالْحِيَازَة عَمَلًا يُشْبِه الْهِبَة وَيَثْبُت فِيهِ حَقّ الرَّدّ بِالْعَيْبِ وَعَدَم الرُّؤْيَة فِي حَقّ الشُّفْعَة عَمَلًا يُشْبِه الْبَيْع عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ بِقَدْرِ الْإِمْكَان، وَاَللَّه ﷿ أَعْلَم.

(وَمِنْهَا) مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْعِوَض، وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع: الْأَوَّل: صِلَة الرَّحِم الْمَحْرَم فَلَا رُجُوع فِي الْهِبَة لِذِي رَحِم مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِب وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْجِع الْوَالِد فِيمَا يَهَب لِوَلَدِهِ احْتَجَّ بِمَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيّ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يَهَبُ وَلَدَهُ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَاب.

(وَلَنَا) مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُول اللَّه أَنَّهُ قَالَ «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثِبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّض، وَصِلَةُ الرَّحِم عِوَض مَعْنًى؛ لِأَنَّ التَّوَاصُل سَبَب التَّنَاصُر وَالتَّعَاوُن فِي الدُّنْيَا فَيَكُون وَسِيلَة إلَى اسْتِيفَاء النُّصْرَة وَسَبَب الثَّوَاب فِي الدَّار الْآخِرَة فَكَانَ أَقْوَى مِنْ الْمَال، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه أَنَّهُ قَالَ «اتَّقُوا اللَّهَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ فَإِنَّهُ أَبْقَى لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَخَيْرٌ لَكُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ» فَدَخَلَ تَحْت النَّصّ وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدنَا عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَة لِصِلَةِ رَحِم أَوْ عَلَى وَجْه صَدَقَة فَإِنَّهُ لَا يَرْجِع فِيهَا وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَاب وَالْحَدِيث مَحْمُول عَلَى النَّهْيِ عَنْ شِرَاء الْمَوْهُوب لَكِنَّهُ سَمَّاهُ رُجُوعًا مَجَازًا لِتَصَوُّرِهِ بِصُورَةِ الرُّجُوع كَمَا هُنَا رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ لَهُ عَلَى رَجُل ثُمَّ وَجَدَهُ يُبَاع فِي السُّوق فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَسَأَلَ رَسُول اللَّه عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ «لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» وَسَيِّدنَا عُمَرُ قَصَدَ الشِّرَاء لَا الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَة لَكِنْ سَمَّاهُ عَوْدًا لِتَصَوُّرِهِ بِصُورَةِ الْعَوْدِ، وَهُوَ نَهْيُ نَدْبٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوب لَهُ يَسْتَحِي فَيُسَامِحهُ فِي ثَمَنه فَيَصِير كَالرَّاجِعِ فِي بَعْضه وَالرُّجُوع مَكْرُوه.

وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>