للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّيُوعُ إلَى الدَّيْنِ لَا إلَى الرَّهْنِ، وَالشُّيُوعُ فِي الدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَفِي الرَّهْنِ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ، أَلَا تَرَى لَوْ رَهَنَ عَبْدًا بِنِصْفِ الدَّيْنِ، جَازَ.

وَلَوْ رَهَنَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ، لَمْ يُجْزَ، لِذَلِكَ افْتَرَقَ حُكْمُ الزِّيَادَتَيْنِ.

وَلَوْ رَهَنَ مُشَاعًا فَقَسَّمَ وَسَلَّمَ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْحَقِيقَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقِسْمَةِ وَالتَّسْلِيمِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَإِذَا وُجِدَ، فَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النَّفَاذِ فَيَنْفُذُ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ فَارِغًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَ الدَّارَ، أَوْ سَلَّمَ الدَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ، أَوْ رَهَنَ جُوَالِقًا دُونَ مَا فِيهِ، وَسَلَّمَ الْجُوَالِقَ أَوْ سَلَّمَهُ مَعَ مَا فِيهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْقَبْضِ هُوَ التَّخْلِيَةُ الْمُمْكِنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الشَّغْلِ.

وَلَوْ أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ سَلَّمَهَا فَارِغَةً؛ جَازَ، وَيُنْظَرُ إلَى حَالِ الْقَبْضِ لَا إلَى حَالِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشَّغْلُ، وَقَدْ زَالَ فَيَنْفُذُ، كَمَا فِي رَهْنِ الْمُشَاعِ.

وَلَوْ رَهَنَ الْمَتَاعَ الَّذِي فِيهَا دُونَ الدَّارِ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّارِ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ الدَّارَ دُونَ الْمَتَاعِ؛؛ لِأَنَّ الدَّارَ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِالْمَتَاعِ، فَأَمَّا الْمَتَاعُ فَلَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ، فَيَصِحُّ قَبْضُ الْمَتَاعِ وَلَمْ يَصِحَّ قَبْضُ الدَّارِ.

وَلَوْ رَهَنَ الدَّارَ وَالْمَتَاعَ وَاَلَّذِي فِيهَا صَفْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، وَهُوَ خَارِجُ الدَّارِ جَازَ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ رَهَنَ الْكُلَّ وَسَلَّمَ الْكُلَّ، وَصَحَّ تَسْلِيمُهُمَا جَمِيعًا.

وَلَوْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ فِيهِمَا بِأَنْ رَهَنَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ، صَحَّ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا.

(أَمَّا) فِي الْمَتَاعِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَتَاعَ لَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِالدَّارِ.

(وَأَمَّا) فِي الدَّارِ؛ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الشَّغْلُ قَدْ زَالَ، وَإِنْ فَرَّقَ بِأَنْ رَهَنَ أَحَدَهُمَا وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَهَنَ الْآخَرَ وَسَلَّمَ، لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ فِي الدَّارِ وَجَازَ فِي الْمَتَاعِ، سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ يُرَاعَى فِيهِ التَّرْتِيبُ، إنْ قَدَّمَ هِبَةَ الدَّارِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ فِي الدَّارِ وَجَازَتْ فِي الْمَتَاعِ، كَمَا فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ قَدَّمَ هِبَةَ الْمَتَاعِ، جَازَتْ الْهِبَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا.

(أَمَّا) فِي الْمَتَاعِ؛ فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْغُولٍ بِالدَّارِ.

(وَأَمَّا) فِي الدَّارِ؛ فَلِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْقَبْضِ لَكِنْ بِمَتَاعٍ هُوَ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْقَبْضِ، وَهُنَا الدَّارُ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعٍ هُوَ مِلْكُ الرَّاهِنِ؛ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ رَهَنَ دَارًا وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي جَوْفِ الدَّارِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ لَمْ يَصِحَّ التَّسْلِيمُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ يُسَلِّمَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّسْلِيمِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ كَوْنِهِ فِي الدَّارِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمٍ جَدِيدٍ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا.

وَلَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا حِمْلٌ دُونَ الْحِمْلِ، لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ، حَتَّى يُلْقِيَ الْحِمْلَ عَنْهَا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ.

وَلَوْ رَهَنَ الْحِمْلَ دُونَ الدَّابَّةِ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ كَانَ رَهْنًا تَامًّا فِي الْحِمْلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِالْحِمْلِ، أَمَّا الْحِمْلُ فَلَيْسَ مَشْغُولًا بِالدَّابَّةِ، كَمَا فِي رَهْنِ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَتَاعُ بِدُونِ الْمَتَاعِ، وَرَهْنُ الْمَتَاعِ الَّذِي فِي الدَّارِ بِدُونِ الدَّارِ وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا فِي رَأْسِهَا أَوْ رَسَنًا فِي رَأْسِهَا، فَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ مَعَ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالرَّسَنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يَنْزِعَهُ مِنْ رَأْسِ الدَّابَّةِ ثُمَّ يُسَلِّمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ مَتَاعًا فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّ السَّرْجَ وَنَحْوَهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّابَّةِ، فَلَمْ يَصِحَّ رَهْنُهَا بِدُونِ الدَّابَّةِ، كَمَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ الثَّمَرِ بِدُونِ الشَّجَرِ، بِخِلَافِ الْمَتَاعِ فَإِنَّهُ لَيْسَ تَبَعًا لِلدَّارِ.

وَلِهَذَا قَالُوا: لَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا سَرْجٌ أَوْ لِجَامٌ، دَخَلَ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ بِحُكْمِ التَّبَعِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا رَهَنَ جَارِيَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، أَوْ بَهِيمَةَ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا الْعَقْدُ، أَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ؛ فَلِأَنَّهُ لَوْ جَازَ، لَكَانَ الْمَرْهُونُ مَشْغُولًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ.

وَأَمَّا الْعَقْدُ؛ فَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي الْبَطْنِ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَالرَّهْنُ تُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، كَالْبَيْعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ.

وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ ثُمَّ رَهَنَ الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ رَهَنَ الْأُمَّ، فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْهِبَةِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِي الْهِبَةِ.

(وَمِنْهَا) : أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُنْفَصِلًا مُتَمَيِّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنْهُ، لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْمُتَّصِلُ بِهِ غَيْرُ مَرْهُونٍ، فَأَشْبَهَ رَهْنَ الْمُشَاعِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ مَا إذَا رَهَنَ الْأَرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الْأَرْضِ، أَوْ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ أَوْ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ سَلَّمَ الْمَرْهُونَ بِتَخْلِيَةِ الْكُلِّ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَلَوْ وَجَدَ الثَّمَرَ وَحَصَدَ الزَّرْعَ وَسَلَّمَ مُنْفَصِلًا، جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ قَدْ زَالَ.

وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَرَهَنَهُمَا جَمِيعًا وَسَلَّمَ مُتَفَرِّقًا، جَازَ، وَإِنْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ بِأَنْ رَهَنَ الزَّرْعَ ثُمَّ الْأَرْضَ أَوْ الْأَرْضَ ثُمَّ الزَّرْعَ، يَنْظُرْ إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي التَّسْلِيمِ، جَازَ الرَّهْنُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ فَرَّقَ، لَا يَجُوزُ فِيهِمَا جَمِيعًا سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ، بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ فِي الْفَصْلَيْنِ مُخْتَلِفٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>