للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الْوَلَدَ فَالزِّيَادَةُ رَهْنٌ مَعَ الْأُمِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَزِيدٍ عَلَيْهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ يَصْلُحُ مَزِيدًا عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ فِي الرَّهْنِ وَالْوَلَدَ تَابِعٌ، فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَعْلُهَا زِيَادَةً عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى، وَإِذَا صَارَتْ الزِّيَادَةُ رَهْنًا مَعَ الِاسْمِ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ قِسْمَيْنِ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا، هَذَا إذَا كَانَتْ الْأُمُّ قَائِمَةً وَقْتَ الزِّيَادَةِ.

(فَأَمَّا) إذَا هَلَكَتْ الْأُمُّ ثُمَّ زَادُوا الْعَبْدَ زِيَادَةً عَلَى الْوَلَدِ فَكَانَا جَمِيعًا رَهْنًا بِخَمْسِمِائَةٍ يَفْتَكُّ الرَّهْنَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَسْتَدْعِي مَزِيدًا عَلَيْهِ، وَالْهَالِكُ خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَزِيدًا عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الْأُمِّ وَبَقِيَ النِّصْفُ وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ، فَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْوَلَدِ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَلَوْ هَلَكَ الْوَلَدُ أَخَذَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا هَلَكَ فَقَدْ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ وَجُعِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَعَادَتْ حِصَّتُهُ إلَى الْأُمِّ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا هَلَكَتْ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ بَعْدَ سُقُوطِ الدَّيْنِ؛ فَلَمْ تَصِحَّ.

وَلَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ هَلَاكِ الْوَلَدِ فِي يَدَ الْمُرْتَهِنِ هَلَكَ أَمَانَةً، إلَّا إذَا مَنَعَهُ بَعْدَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَمَا إذَا رَهَنَ بِدَيْنٍ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ، ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ أَنَّهُ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِمَا قُلْنَا.

كَذَا هَذَا، إلَّا إذَا مَنَعَ بَعْدَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا بِالْمَنْعِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْغَصْبِ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ وَقَدْرِهِ فَالرَّهْنُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشْيَاءَ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا، يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَتَفْسِيرُهُ إذَا رَهَنَ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ بِأَلْفٍ فَهَلَكَ، ذَهَبَ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَ، ذَهَبَ كُلُّ الدَّيْنِ أَيْضًا، وَفَضْلُ الرَّهْنِ يَهْلِكُ أَمَانَةً، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَمْسَمِائَةٍ، ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، مِثْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَضْلُ قِيمَةِ الرَّهْنِ.

وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ يَذْهَبُ كُلُّ الدَّيْنِ قَلَّتْ قِيمَةُ الدَّيْنِ أَوْ كَثُرَتْ وَهُوَ مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ: يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ يَعْنِي إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِفَضْلِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ، فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَضْلِ الدَّيْنِ.

وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْمَرْهُونَ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ وَقَدْرِهِ اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ عَلَى كَوْنِهِ مَضْمُونًا، فَإِنْكَارُ الضَّمَانِ أَصْلًا يَرْجِعُ إلَى مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا، ثُمَّ الرُّجْحَانُ فِي كَيْفِيَّةِ الضَّمَانِ؛ لِقَوْلِ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ عِنْدَنَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ وَيَتَقَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَيَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ فِيهِ بِقَدْرِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ، أَمْكَنَ تَحْقِيقُ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِثْلُهُ صُورَةً وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى لَا صُورَةً، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ، لَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيفَاءُ إلَّا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَقَلِّ مِنْ الْأَكْثَرِ يَكُونُ رِبًا، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ، لَا يُمْكِنُهُ تَحْقِيقُ الِاسْتِيفَاءِ إلَّا بِقَدْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَقَلِّ لَا يُتَصَوَّرُ، هَذَا إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ شَيْئًا وَاحِدًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَشْيَاءَ بِأَنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ أَوْ دَابَّتَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو (إمَّا) أَنْ أَطْلَقَ الرَّهْنَ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ.

(وَإِمَّا) أَنْ قَيَّدَ وَسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ أَطْلَقَ، يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَةِ نَفَسِهِ وَمِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرْهُونٌ وَالْمَرْهُونُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا؛ لِيُعْرَفَ قَدْرُ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الضَّمَانِ، كَمَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ قَيَّدَ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَمَّى وَجَبَ اعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ فَيُنْظَرُ إلَى الْقَدْرِ الْمُسَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا هَلَكَ؛ يَهْلِكُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى، كَمَا فِي بَابِ الْبَيْعِ إذَا سَمَّى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَبِيعَيْنِ ثَمَنًا، أَنَّهُ يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالْقَدْرِ الْمُسَمَّى كَذَا هَذَا، إذَا كَانَ الْمَرْهُونُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>