عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ، وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءً، وَإِذَا قُتِلَ قِصَاصًا سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ هَلَاكَهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَسَقَطَ دِيَتُهُ، كَمَا إذَا هَلَكَ بِنَفْسِهِ هَذَا إذَا كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَمْدًا، (فَأَمَّا) إذَا كَانَتْ خَطَأً أَوْ مُلْحَقَةً بِالْخَطَأِ، فَإِنْ كَانَتْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ كَانَتْ عَمْدًا، لَكِنَّ الْقَاتِلَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُدْفَعُ أَوْ يُفْدَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَاتِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تُوجِبُ الدَّفْعَ أَوْ الْفِدَاءَ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ دُونَهُ، نَحْوُ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا، وَالدَّيْنُ أَلْفًا، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسَمِائَةٍ يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يَسْتَبْقِي حَقَّ نَفَسِهِ فِي الرَّهْنِ بِتَطْهِيرِهِ عَنْ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ.
وَلَوْ بُدِئَ بِالرَّاهِنِ وَخُوطِبَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى مَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ فَرُبَّمَا يَخْتَارُ الدَّفْعَ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَيَسْقُطُ دَيْنُهُ فَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِخِطَابِ الْمُرْتَهِنِ بِالْفِدَاءِ أَوْلَى.
وَإِذَا فَدَاهُ بِالْأَرْشِ، فَقَدْ اسْتَخْلَصَهُ وَاسْتَصْفَاهُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَصْلًا، فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا فَدَى عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ فَدَى مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ فَدَاهُ أَجْنَبِيٌّ وَلِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ أَصْلَحَ الرَّهْنَ بِاخْتِيَارِهِ وَاسْتَبْقَى حَقَّ نَفْسِهِ، فَكَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ بِالْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ، وَإِنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ، يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخِطَابِ هُوَ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ، وَإِنَّمَا يُبْدَأُ بِالْمُرْتَهِنِ بِخِطَابِ الْفِدَاءِ صِيَانَةً لِحَقِّهِ، فَإِذَا أَبَى عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَسَقَطَ الدَّيْنُ.
(أَمَّا) بُطْلَانُ الرَّهْنِ؛ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ إلَى خَلَفٍ فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ رَهْنًا وَأَمَّا سُقُوطُ الدَّيْنِ؛ فَلِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الزَّوَالِ حَصَلَ بِمَعْنًى فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا بِمَا فَدَى الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْفِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ فِي ضَمَانِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا أَبَى الْفِدَاءَ، وَالرَّاهِنُ مُحْتَاجٌ إلَى اسْتِخْلَاصِ عَبْدِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إلَّا بِالْفِدَاءِ؛ فَكَانَ مُضْطَرًّا فِي الْفِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا فَدَى، وَلَهُ عَلَى الرَّاهِنِ مِثْلُهُ فَيَصِيرُ قِصَاصًا بِهِ وَإِذَا صَارَ قَاضِيًا دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ مِمَّا فَدَى، يُنْظَرُ إلَى مَا فَدَى وَإِلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ مِثْلَ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ سَقَطَ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْفِدَاءِ، وَحُبِسَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ قَدْرَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَسْقُطُ أَكْثَرُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْعَبْدُ، لَا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ فَكَذَا عِنْدَ الْفِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَعْضُهُ مَضْمُونًا وَالْبَعْضُ أَمَانَةً، بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَالدَّيْنِ أَلْفًا فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ مَضْمُونٌ وَنِصْفَهُ أَمَانَةٌ، فَكَانَ فِدَاءُ نِصْفِ الْمَضْمُونِ مِنْهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَفِدَاءُ نِصْفِ الْأَمَانَةِ عَلَى الرَّاهِنِ فَيُخَاطَبَانِ جَمِيعًا بِالدَّفْعِ أَوْ بِالْفِدَاءِ، وَالْمَعْنَى مِنْ خِطَابِ الدَّفْعِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ، الرِّضَا بِالدَّفْعِ لَا فِعْلُ الدَّفْعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الدَّفْعِ لَيْسَ إلَيْهِ، ثُمَّ إذَا خُوطِبَ بِذَلِكَ، (إمَّا) أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ، (وَإِمَّا) أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ، (وَإِمَّا) أَنْ اخْتَلَفَا، فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ وَالْآخَرُ الْفِدَاءَ، وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا حَاضِرَيْنِ وَإِمَّا أَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا، فَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ وَاجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ وَدَفَعَا، فَقَدْ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ، فَدَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَإِذَا فَدَيَا طَهُرَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَيَكُونُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَبَرِّعًا حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا فَدَى؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ فَكَانَ مُؤَدِّيًا عَنْ نَفَسِهِ لَا عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفِدَاءَ وَالْآخَرُ الدَّفْعَ، فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَاخْتِيَارُهُ أَوْلَى.
(أَمَّا) الْمُرْتَهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ يَسْتَبْقِي حَقَّ نَفَسِهِ وَلَا يُسْقِطُ حَقَّ الرَّاهِنِ، وَالرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ يُسْقِطُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فَكَانَ اخْتِيَارُ الْمُرْتَهِنِ أَوْلَى وَأَمَّا الرَّاهِنُ؛ فَلِأَنَّهُ يَسْتَبْقِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ بِالْفِدَاءِ وَالْمُرْتَهِنُ بِاخْتِيَارِ الدَّفْعِ يُرِيدُ إسْقَاطَ دَيْنِهِ وَإِبْطَالَ مِلْكِ الرَّاهِنِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي اخْتِيَارِ الدَّفْعِ نَفْعٌ بَلْ كَانَ سَفَهًا مَحْضًا وَتَعَنُّتًا بَارِدًا؛ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، فَكَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَ ثُمَّ أَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ وَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ دَفْعَهُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الدَّفْعَ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَفَدَى بِجَمِيعِ الْأَرْشِ، بَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَتْ رَقَبَتُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ، وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute