للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ حُكْمُ جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّهْنِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْأُمِّ سَوَاءٌ، فِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا فِي الْأُمِّ، إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّيْنِ لَمْ يُوجَدْ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ؛ وَلِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِخِلَافِ الْأُمِّ، بَلْ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ بِالدَّيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ، بَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَإِنْ بِيعَ بِالدَّيْنِ، لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ، بِخِلَافِ الْأُمِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ غَيْرِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّهْنِ.

فَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ نَوْعَانِ: جِنَايَةٌ عَلَى الرَّهْنِ نَفَسِهِ، وَجِنَايَةٌ عَلَى جِنْسِهِ.

أَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفَسِهِ: فَهِيَ وَالْهَلَاكُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَوَاءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا، سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا وَبَعْضُهُ أَمَانَةً، سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْمَضْمُونِ لَا مِنْ الْأَمَانَةِ وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى نَفَسِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ أَيْضًا: جِنَايَةِ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ، وَجِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ عَلَى جِنْسِهَا وَعَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا.

أَمَّا جِنَايَةُ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ: بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدَيْنِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَالْعَبْدَانِ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِمَّا إنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ فَإِنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَجِنَايَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: جِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ، وَالْكُلُّ هَدَرٌ إلَّا وَاحِدَةً: وَهِيَ جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ، فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَيَتَحَوَّلُ مَا فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ.

أَمَّا جِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ؛ فَلِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ إمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ لِحَقِّ الْمَوْلَى أَعْنِي الرَّاهِنَ، وَإِمَّا أَنْ تُعْتَبَرَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالِاعْتِبَارُ لِحَقِّ الرَّهْنِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُهُ، وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَمْلُوكِ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ لِحَقِّ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فِي حَقِّهِ لِوُجُوبِ الدَّفْعِ عَلَيْهِ أَوْ الْفِدَاءِ لَهُ، وَإِيجَابُ شَيْءٍ عَلَى الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ؛ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اعْتِبَارِ جِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِحَقِّهِ يُحَوِّلُ مَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْجَانِي، وَالْجَانِي مَشْغُولٌ بِدَيْنِ نَفْسِهِ، وَالْمَشْغُولُ بِنَفْسِهِ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ جِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ؛ لِمَا قُلْنَا.

وَأَمَّا جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا دَيْنَ لِلْفَارِغِ لِيَتَحَوَّلَ إلَى الْجَانِي فَلَا يُفِيدُ اعْتِبَارُهَا فِي حَقِّهِ.

وَأَمَّا جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَمُمْكِنُ الِاعْتِبَارِ لِحَقٍّ يَتَحَوَّلُ مَا فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ: إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ وَالرَّهْنُ عَبْدَيْنِ، يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا قَلَّ أَرْشُهَا أَوْ كَثُرَ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَلَا يَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا سَقَطَ إلَى الْجَانِي؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْغُولٌ كُلُّهُ بِالدَّيْنِ وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَجُعِلَ كَأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَلَا دَفْعَ وَلَا فِدَاءَ، وَكَانَ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ، فَكَانَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَارِغًا وَنِصْفُهُ مَشْغُولًا، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ نِصْفَيْ الْقَاتِلِ عَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ وَالنِّصْفِ الْفَارِغِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.

وَجِنَايَةُ قَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ وَقَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ وَقَدْرِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ هَدَرٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا، فَيَسْقُطُ مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْجَانِي، وَجِنَايَةُ قَدْرِ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ، فَيَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْجَانِي، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَانِي خَمْسُمِائَةٍ فَيَبْقَى رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ.

وَلَوْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ صَاحِبِهِ، تَحَوَّلَ نِصْفُ مَا كَانَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ إلَى الْبَاقِي فَيَصِيرُ الْبَاقِي رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَبَقِيَ الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْفَاقِئَ جَنَى عَلَى نِصْفِ الْعَبْدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ النِّصْفَ نِصْفُهُ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَالْفَاقِئُ جَنَى عَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ وَالْفَارِغِ جَمِيعًا، وَالْفَاقِئُ نِصْفُهُ مَشْغُولٌ وَنِصْفُهُ فَارِغٌ إلَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَشْغُولِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ وَالْفَارِغِ، وَجِنَايَةَ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْفَارِغِ وَالْمَشْغُولِ، فَقَدْرُ جِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى قَدْرِ الْمَشْغُولِ مُعْتَبَرَةٌ فَيَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا كَانَ فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَاقِئِ، وَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>