عِيَالِهِ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ يَحْفَظُ مَالَهُ بِيَدِهِ عَادَةً؛ لِأَنَّ الْمُلْتَزَمَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْحِفْظُ لِلْمَالِكِ، فَإِذَا حَفِظَ لِنَفْسِهِ، فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ لِلْمَالِكِ، فَدَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ، وَحَكَى عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ: أَنَّهُ مَنَعَ دُخُولَ الْعَيْنِ فِي ضَمَانِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ حِينَ قَدِمَ بُخَارَى، وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ وَالْبَرَاءَةُ عَنْ الضَّمَانِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الضَّمَانِ تَكُونُ.
وَكَذَلِكَ الْمُودِعُ مَعَ الْمُودَعِ إذَا اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُودَعُ: هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ أَوْ رَدَدْتُهَا إلَيْكَ وَقَالَ الْمَالِكُ: اسْتَهْلَكْتَهَا، إنْ كَانَ قَبْلَ الْخِلَافِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ، الْمُودَعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ الْوَدِيعَةِ فِي ضَمَانِهِ بِالْخِلَافِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ عَادَ الْوِفَاقُ، يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ زُفَرَ، وَالشَّافِعِيِّ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَمَّا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ بِالْخِلَافِ؛ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ، فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ فَصَارَ كَمَا لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَعِيرُ، وَالْمُسْتَأْجَرُ، إذَا خَالَفَا، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ، لَا يَبْرَآنِ عَنْ الضَّمَانِ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا، وَلَنَا: إنَّهُ بَعْدَ الْخِلَافِ مُودَعٌ وَالْمُودَعُ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا قَبْلَ الْخِلَافِ وَدَلَالَةُ أَنَّهُ بَعْدَ الْخِلَافِ مُودَعٌ أَنَّ الْمُودَعَ مَنْ يَحْفَظُ مَالَ غَيْرِهِ لَهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ بَعْدَ الْخِلَافِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْحِفْظِ حَافِظٌ مَالَ الْمَالِكِ لَهُ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ مَا بَعَدَ الْخِلَافِ قَوْلُهُ: الْوَدِيعَةُ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ؛ فَيَرْتَفِعُ الْعَقْدُ، قُلْنَا: مَعْنَى الدُّخُولِ فِي ضَمَانِ الْمُودَعِ، إنَّهُ انْعَقَدَ، سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ مَوْقُوفًا وُجُوبُهُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الْهَلَاكُ فِي حَالَةِ الْخِلَافِ، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يُوجِبْ ارْتِفَاعَ الْعَقْدِ أَلَيْسَ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ إنْسَانًا يَبِيعُ عَبْدَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ؛ فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ، وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي دَخَلَ الْعَبْدُ فِي ضَمَانِهِ؟ لِانْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَمَعَ ذَلِكَ بَقِيَ الْعَقْدُ، حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ كَانَ لَهُ بَيْعُهُ بِأَلْفَيْنِ كَذَا هَذَا عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَقْدَ انْفَسَخَ، لَكِنْ فِي قَدْرِ مَا فَاتَ مِنْ حَقِّهِ وَحُكْمُهُ: وَهُوَ الْحِفْظُ الْمُلْتَزَمُ لِلْمَالِكِ فِي زَمَانِ الْخِلَافِ، لَا فِيمَا بَقِيَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا إذَا اسْتَحْفَظَهُ بِأَجْرِ كُلِّ شَهْرٍ، بِكَذَا، وَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِهِ فِي الْبَاقِي، بَقِيَ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي، يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِقَدْرِهِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا؛ أَنَّ الِارْتِفَاعَ لِضَرُورَةِ فَوَاتِ حُكْمِ الْعَقْدِ؛ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي قَدْرِ الْفَائِتِ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَالْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ تَمْلِيكُ مَنَافِعَ مُقَدَّرَةٍ بِالْمَكَانِ، أَوْ الزَّمَانِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَكَانَ الْمَذْكُورَ: فَقَدْ انْتَهَى الْعَقْدُ؛ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ، فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَكَذَا الْإِعَارَةُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَنَا، إلَّا أَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَأَمَّا حُكْمُ عَقَدِ الْوَدِيعَةِ: فَلُزُومُ الْحِفْظِ لِلْمَالِكِ مُطْلَقًا أَوْ شَهْرًا، وَزَمَانُ مَا بَعْدَ الْخِلَافِ دَاخِلٌ فِي الْمُطْلَقِ وَالْوَقْتِ؛ فَلَا يَنْقَضِي بِالْخِلَافِ، بَلْ يَتَقَرَّرُ، فَهُوَ الْفَرْقُ وَمِنْهَا جُحُودُ الْوَدِيعَةِ فِي وَجْهِ الْمَالِكِ عِنْدَ طَلَبِهِ، حَتَّى لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِيدَاعِ، أَوْ نَكَلَ الْمُودَعُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ، دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا ظَهَرَ بِالْحُجَّةِ؛ فَقَدْ ظَهَرَ ارْتِفَاعُهُ بِالْجُحُودِ، أَوْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ، فَقَدْ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ، وَالْمُودَعُ لَمَّا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ حَالَ حَضْرَةِ الْمَالِكِ، فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنْ الْحِفْظِ؛ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِذَا هَلَكَ تَقَرَّرَ الضَّمَانُ وَلَوْ جَحَدَ، الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَلَاكِهَا، فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ - أَوْجُهٍ: إمَّا إنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا هَلَكَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ، أَوْ قَبْلَ الْجُحُودِ، أَوْ مُطْلَقًا؛ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا هَلَكَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ، أَوْ مُطْلَقًا لَا يَنْتَفِعُ بِبَيِّنَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْجُحُودِ، أَوْ عِنْدَهُ؛ فَدَخَلَتْ الْعَيْنُ فِي ضَمَانِهِ، وَالْهَلَاكُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ الضَّمَانَ، لَا أَنْ يُسْقِطَهُ؛ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْجُحُودِ، تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ قَبْلَ الْجُحُودِ لَمَّا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ؛ فَقَدْ ظَهَرَ انْتِهَاءُ الْعَقْدِ قَبْلَ الْجُحُودِ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِالْجُحُودِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، فَلَا يَضْمَنُ.
وَلَوْ ادَّعَى الْهَلَاكَ قَبْلَ الْجُحُودِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ، وَطَلَب الْيَمِينَ مِنْ الْمُودِعِ، حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ جُحُودِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ، أَنَّ الَّذِي يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَمْرًا، لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْحَالِفُ لَلَزِمَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ وَهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَوْ أَقَرَّ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْجُحُودِ لَقُبِلَ مِنْهُ، وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْمُودَعِ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ، لَكِنْ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، هَذَا إذَا جَحَدَ حَالَ حَضْرَةِ الْمَالِكِ، فَإِنْ جَحَدَ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ حَالَ غَيْبَتِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَضْمَنُ وَقَالَ زُفَرُ ﵀: يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ: أَنَّ مَا هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْحَضْرَةِ، وَالْغِيبَةِ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ، وَجْهُ قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute