سَبْقُ الْخَارِجِ لِانْعِدَامِ تَصَوُّرِ السَّبْقِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ لِأَنَّ النِّتَاجَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَتَتَرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ عَنْ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ.
فَأَمَّا إذَا قَامَتَا عَلَى مِلْكٍ مُوَقَّتٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَإِنْ اسْتَوَى الْوَقْتَانِ يَقْضِي لِلْخَارِجِ لِأَنَّهُ بَطَل اعْتِبَارُ الْوَقْتَيْنِ لِلتَّعَارُضِ فَبَقِيَ دَعْوَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ يُقْضَى لِلْأَسْبَقِ وَقْتًا أَيُّهُمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَقَالَ لَا تُقْبَلُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ بَيِّنَةٌ عَلَى وَقْتٍ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي النِّتَاجِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْوَقْتِ الْأَسْبَقِ أَظْهَرَتْ الْمِلْكَ لَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعهُ فِيهِ أَحَدٌ فَيَدْفَعُ الْمُدَّعِي إلَى أَنْ يُثْبِتَ بِالدَّلِيلِ سَبَبًا لِلِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ
وَإِنْ أَقَامَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى مِلْكٍ مُطْلَق وَالْأُخْرَى عَلَى مِلْكٍ مُوَقَّتٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ لَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ عِنْدَهُمَا وَيَقْضِي لِلْخَارِجِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقْضَى لِصَاحِبِ الْوَقْتِ أَيُّهُمَا كَانَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ مِثْلُهُ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْوَقْتِ أَظْهَرَتْ الْمِلْكَ لَهُ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ لَا يُعَارِضُهَا فِيهِ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ بِيَقِينٍ بَلْ تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ وَعَدَمَهَا لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ لَا يَتَعَارَضُ لِلْوَقْتِ فَلَا تَثْبُتُ الْمُعَارَضَةُ بِالشَّكِّ وَلِهَذَا لَوْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَارِجَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَوُقِّتَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى أَنَّهُ يَقْضِي لِصَاحِبِ الْوَقْتِ كَذَا هَذَا وَلَهُمَا أَنَّ الْمِلْكَ احْتَمَلَ السَّبْقَ وَالتَّأْخِيرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ وَالسَّبْقَ لِجَوَازِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيِّنَةِ الْمُطْلَقَةِ لَوْ وُقِّتَتْ بَيِّنَتُهُ كَانَ وَقْتُهَا أَسْبَقَ فَوَقَعَ الِاحْتِمَالُ فِي سَبْقِ الْمِلْكِ الْمُوَقَّتِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ فَبَقِيَ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ فَيُقْضَى لِلْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَارِجَيْنِ إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ إذَا كَانَ وَاحِدًا فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْهُ بِبَيْعِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ حَادِثٌ وَقَدْ ظَهَرَ بِالتَّارِيخِ أَنَّ شِرَاءَ صَاحِبِ الْوَقْتِ أَسْبَقُ وَلَا تَارِيخَ مَعَ الْآخَرِ وَشِرَاؤُهُ أَمْرٌ حَادِثٌ وَلَا يُعْلَمُ تَارِيخُهُ فَكَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ أَوْلَى هَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ أَوْ مُوَقَّتٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي دَعْوَى ذَلِكَ بِسَبَبٍ فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْإِرْثَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ حَتَّى لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ بِسَبَبِ الْإِرْث بِأَنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ مَاتَ أَبُوهُ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ﵏ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتَا عَلَى مِلْكٍ مُوَقَّتٍ وَاسْتَوَى الْوَقْتَانِ لِأَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَقْتَيْنِ لِلتَّعَارُضِ فَبَقِيَ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَسْبَقَ مِنْ الْآخَرِ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا وَقْتًا أَيُّهُمَا كَانَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْأَوَّلِ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآخَرِ يُقْضَى لِلْخَارِجِ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْث دَعْوَى مِلْكِ الْمَيِّتِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ أَظْهَرَتْ مِلْكَ الْمَيِّتِ لَكِنْ قَامَ الْوَارِثُ مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ فَكَأَنَّ الْوَارِثَيْنِ ادَّعَيَا مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ مُوَقِّتًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَهُنَاكَ الْجَوَابُ هَكَذَا فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا مِنْ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَا إذَا قَامَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ وَالْأُخْرَى عَلَى مِلْكٍ مُوَقَّتٍ فَإِنَّ هُنَا يُقْضَى لِلْخَارِجِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ كَمَا لَا عِبْرَةَ لَهُ فِي دَعْوَى الْمُوَرِّثِينَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيُشْكَلُ
وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الشِّرَاءَ بِأَنْ ادَّعَى الْخَارِجُ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الْخَارِجِ وَنَقَدَهُ الثَّمَنَ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ وَلَا قَبْضٍ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَجِبُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْءٌ وَيَتْرُكُ الْمُدَّعِي فِي يَدِ ذِي الْيَدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُدَّعِي إلَى الْخَارِجِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ هُنَا بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ بِتَصْحِيحِ الْعَقْدَيْنِ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ اشْتَرَاهُ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ وَقَبَضَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْخَارِجُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ فَيُوجَدُ الْعَقْدَانِ عَلَى الصِّحَّةِ لَكِنْ بِتَقْدِيرِ تَارِيخٍ وَقَبْضٍ وَفِي هَذَا التَّقْدِيرِ تَصْحِيحُ الْعَقْدَيْنِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى بَاعَهُ مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute