أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَر ذِمِّيًّا فَالْمُسْلِمُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَكَانَ أَنْفَعَ لِلصَّبِيِّ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْهُ مُسْلِمَةٌ وَذِمِّيَّةٌ فَالْمُسْلِمَةُ أَوْلَى وَلَوْ شَهِدَ لِلذِّمِّيِّ مُسْلِمَانِ وَلِلْمُسْلِمِ ذِمِّيَّانِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّتَيْنِ وَإِنْ تَعَارَضَتَا فَإِسْلَامُ الْمُدَّعِي كَافٍ لِلتَّرْجِيحِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَالْحُرُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ وَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً فِي بَدَنِ اللَّقِيطِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرُ فَوَافَقَتْ دَعْوَتُهُ الْعَلَامَةَ فَصَاحِبُهَا أَوْلَى لِرُجْحَانِ دَعْوَاهُ بِالْعَلَامَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّرْجِيحِ بِالْعَلَامَةِ فِي الْجُمْلَةِ قَالَ اللَّهُ ﵎ فِي قِصَّةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ التَّحِيَّةِ ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [يوسف: ٢٦] ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [يوسف: ٢٧] ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨] جَعَلَ قَدَّ الْقَمِيصِ مِنْ خَلْفٍ دَلِيلَ مُرَاوَدَتِهَا إيَّاهُ لِمَا أَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ جَذْبِهَا إيَّاهُ إلَى نَفْسِهَا وَالْقَدُّ مِنْ قُدَّامِ عَلَامَةَ دَفْعِهَا إيَّاهُ عَنْ نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي لُؤْلُئِيٍّ وَدَبَّاغٍ فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا فِيهِ لُؤْلُؤٌ وَإِهَابٍ فَتَنَازَعَا أَنَّهُ فِيهِمَا يُقْضَى بِاللُّؤْلُؤِ لِلُّؤْلُئِيِّ وَبِالْإِهَابِ لِلدَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ بِاللُّؤْلُؤِ لِلُّؤْلُئِيِّ وَبِالْإِهَابِ لِلدَّبَّاغِ.
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الزَّوْجَيْنِ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنَّ مَا يَكُونُ لِلرِّجَالِ يَجْعَلُ فِي يَدِ الزَّوْجِ وَمَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ يُجْعَلُ فِي يَدِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَغَالِبِ الْأَمْرِ كَذَا هَذَا فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَامَاتٍ فِي هَذَا اللَّقِيطِ فَوَافَقَ الْبَعْضَ وَخَالَفَ الْبَعْضَ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ﵀ أَنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي الْعَلَامَاتِ فَسَقَطَ التَّرْجِيحُ بِهَا كَأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْعَلَامَةِ رَأْسًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدُهُمَا عَلَامَةً أَصْلًا وَلَكِنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَا تُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا عِنْدَنَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَتَعَيَّنُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ عَلَى مَا ذَكَرنَا وَالْكَلَامُ مَعَ الشَّافِعِيِّ ﵀ تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ هُوَ ابْنِي وَهُوَ غُلَامٌ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ابْنِي وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ ابْنَتِي فَإِذَا هُوَ خُنْثَى يُحَكَّمُ مَبَالُهُ فَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ الرِّجَالِ فَهُوَ ابْنُ مُدَّعِي الْبُنُوَّةِ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْ مَبَالِ النِّسَاءِ فَهِيَ ابْنَةُ مُدَّعِي الْبِنْتِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا جَمِيعًا يُعْتَبَرُ السَّبْقُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ فَهُوَ مُشْكَلٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُعْتَبَرُ كَثْرَةُ الْبَوْلِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الْخُنْثَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَلَوْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ هُوَ ابْنِي مِنْ زَوْجَتِي هَذِهِ فَصَدَّقَتْهُ فَهُوَ ابْنُهُمَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً غَيْرَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حُرَّةً كَانَ الِابْنُ حُرًّا بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً كَانَ مِلْكًا لِمَوْلَى الْأَمَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ حُرًّا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ نَسَبَهُ وَإِنْ ثَبَتَ مِنْ الْأَمَةِ لَكِنْ فِي جَعْلِهِ تَبَعَا لَهَا فِي الرِّقِّ مَضَرَّةٌ بِالصَّبِيِّ وَفِي جَعْلِهِ حُرًّا مَنْفَعَةٌ لَهُ فَيَتْبَعُهَا فِيمَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَتْبَعُهَا فِيمَا يَضُرُّهُ كَالذِّمِّيِّ إذَا ادَّعَى نَسَبَ لَقِيطٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَتْبَعُهُ فِيمَا يَضُرُّهُ وَهُوَ دِينُهُ لِمَا قُلْنَا كَذَا هَذَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَكَانَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا وَالرِّقُّ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ فَهُوَ ضَرَرٌ يَلْحَقُهُ ضَرُورَةَ غَيْرِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَةٌ أَنَّهُ ابْنُهَا وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَإِنْ أَقَامَتْ امْرَأَةً وَاحِدَةً عَلَى الْوِلَادَةِ قُبِلَتْ إذَا كَانَتْ حُرَّةً عَدْلَةٌ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ كَانَ فِي تَصْحِيحِ دَعْوَتِهَا حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّحْمِيلِ فَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ جَوَابَ الْكِتَابِ وَأَجْرَى رِوَايَةَ الْأَصْلِ عَلَى إطْلَاقِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَقَالَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الرَّجُلِ بِنَفْسِ الدَّعْوَةِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّسَبَ فِي جَانِبِ الرِّجَالِ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ وَفِي جَانِبِ النِّسَاءِ يَثْبُتُ بِالْوِلَادَةِ وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَادَةُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدْنَى الدَّلَائِلِ عَلَيْهَا شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ وَلَوْ ادَّعَتْهُ امْرَأَتَانِ فَهُوَ ابْنُهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا كُنَّ خَمْسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْمَرْأَتَيْنِ أَصْلًا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ النَّسَبَ فِي جَانِبِ النِّسَاءِ يَثْبُتُ بِالْوِلَادَةِ وَوِلَادَةُ وَلَدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute