للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَامْرَأَتَانِ أَنَّ هَذَا ابْنُ فُلَانٍ أَوْ امْرَأَةُ فُلَانٍ، يَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ اسْتِدْلَالًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَشَهَادَتِهِ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةٍ مِنْهُ بَلْ بِخَبَرِهِمَا، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ، كَذَا هَذَا وَلَوْ أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بِمَوْتِ إنْسَانٍ حَلَّ لِلسَّامِعِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِهِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ مَبْنَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الِاشْتِهَارِ، إلَّا أَنَّ الشُّهْرَةَ فِي الْمَوْتِ أَسْرَعُ مِنْهُ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، لِذَلِكَ شُرِطَ الْعَدَدُ فِي النِّكَاحِ وَالنَّسَبِ، لَا فِي الْمَوْتِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْقَطْعِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَالتَّقْيِيدِ، بِأَنْ يَقُولَ: " إنِّي لَمْ أُعَايِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَمِعْتُ مِنْ فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا " حَتَّى لَوْ شَهِدَ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ.

وَأَمَّا الْوَلَاءُ فَالشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تُقْبَلُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي النَّسَبِ مَقْبُولَةٌ، كَذَا فِي الْوَلَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّا كَمَا نَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ كَانَ ابْنَ الْخَطَّابِ نَشْهَدُ أَنَّ نَافِعًا كَانَ مَوْلَى ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ فِي النَّسَبِ لِمَا أَنَّ مَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الِاشْتِهَارِ، فَقَامَتْ الشُّهْرَةُ فِيهِ مَقَامَ السَّمَاعِ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ مَبْنَى الْوَلَاءِ عَلَى الِاشْتِهَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْإِعْتَاقِ، حَتَّى لَوْ اشْتَهَرَ اشْتِهَارَ نَافِعٍ لِابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ حَلَّتْ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ.

وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْوَقْفِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا أَلْحَقُوهُ بِالْمَوْتِ؛؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْوَقْفِ عَلَى الِاشْتِهَارِ أَيْضًا كَالْمَوْتِ فَكَانَ مُلْحَقًا بِهِ، وَكَذَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي الْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ: أَنَّ هَذَا قَاضِي بَلَدِ كَذَا وَوَالِي بَلَدِ كَذَا، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمَنْشُورَ؛؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْقَضَاءِ وَالْوِلَايَةِ عَلَى الشُّهْرَةِ، فَقَامَتْ الشُّهْرَةُ فِيهَا مَقَامَ الْمُعَايَنَةِ، ثُمَّ تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ كَمَا يَحْصُلُ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ بِنَفْسِهِ يَحْصُلُ بِمُعَايَنَةِ دَلِيلِهِ، بِأَنْ يَرَى ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا فِي يَدِ إنْسَانٍ يَسْتَعْمِلُهُ اسْتِعْمَالَ الْمُلَّاكِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ حَتَّى لَوْ خَاصَمَهُ غَيْرُهُ فِيهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ؛؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْمُتَصَرِّفَةَ فِي الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِيهِ، بَلْ لَا دَلِيلَ بِشَاهِدٍ فِي الْأَمْوَالِ أَقْوَى مِنْهَا وَزَادَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَهُمْ جَمِيعًا: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ لِلرَّائِي الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ حَتَّى يَرَاهُ فِي يَدِهِ، يَسْتَعْمِلُهُ اسْتِعْمَالَ الْمُلَّاكِ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ، وَحَتَّى يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ: " كُلُّ شَيْءٍ فِي يَدِ إنْسَانٍ سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَسَعُك أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ " اسْتَثْنَى الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا تَحِلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِصَاحِبِ الْيَدِ فِيهِمَا إلَّا إذَا أَقَرَّا بِأَنْفُسِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِهِ يَدٌ، بِأَنْ كَانَ كَبِيرًا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ.

وَكَذَا الْأَمَةُ؛؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ فِي يَدِ نَفْسِهِ ظَاهِرٌ، إذْ الْأَصْلُ هُوَ الْحُرِّيَّةُ فِي بَنِي آدَمَ، وَالرِّقُّ عَارِضٌ فَكَانَتْ يَدُهُ إلَى نَفْسِهِ أَقْرَبَ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ تَصْلُحْ يَدُ غَيْرِهِ دَلِيلَ الْمِلْكِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجَمَادَاتِ وَالْبَهَائِمِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهَا، فَبَقِيَتْ يَدُ صَاحِبِ الْيَدِ دَلِيلًا عَلَى الْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرَّ قَدْ يَخْدُمُ كَأَنَّهُ عَبْدٌ عَادَةً، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ فَتَعَارَضَ الظَّاهِرَانِ فَلَمْ تَصْلُحْ الْيَدُ دَلِيلًا فِيهِ أَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الثَّوْبِ وَالْبَهِيمَةِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِهِ يَدٌ فَيَلْحَقُ بِالْعُرُوضِ وَالْبَهَائِمِ فَتَحِلُّ لِلرَّائِي الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ فِيهِ لِصَاحِبِ الْيَدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا شَرَائِطُ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِ الشَّهَادَةِ.

وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ، أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ فَأَنْوَاعٌ: بَعْضُهَا يَعُمُّ الشَّهَادَاتِ كُلَّهَا، وَبَعْضُهَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، أَمَّا الشَّرَائِطُ الْعَامَّةُ فَمِنْهَا الْعَقْلُ؛؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْقِلُ لَا يَعْرِفُ الشَّهَادَةَ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا، وَمِنْهَا الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِالتَّحَفُّظِ، وَالتَّحَفُّظُ بِالتَّذَكُّرِ، وَالتَّذَكُّرُ بِالتَّفَكُّرِ، وَلَا يُوجَدُ مِنْ الصَّبِيِّ عَادَةً؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا مَعْنَى الْوِلَايَةِ.

وَالصَّبِيُّ مُوَلًّى عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ لَلَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ عِنْدَ الدَّعْوَةِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَيْ دُعُوا لِلْأَدَاءِ فَلَا يَلْزَمُهُ إجْمَاعًا، وَمِنْهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ، وقَوْله تَعَالَى ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [النحل: ٧٥] وَالشَّهَادَةُ شَيْءٌ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؛؛ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَجْرِي مَجْرَى الْوِلَايَاتِ وَالتَّمْلِيكَاتِ أَمَّا مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>