فِيهِ الْقِسْمَةُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى بَيْعِ حِصَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: إذَا اخْتَصَمَا فِيهِ؛ بَاعَ الْقَاضِي وَقَسَمَ الثَّمَنَ بَيْنَهُمَا.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَعَلَى هَذَا طَرِيقٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ فَإِنْ كَانَ يَسْتَقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَرِيقٌ نَافِذٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَقَعُ تَحْصِيلًا لِمَا شُرِعَتْ لَهُ - وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ - فَيُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِيمُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا قِسْمَةُ إضْرَارٍ بِالشَّرِيكَيْنِ فَلَا يَلِيهَا الْقَاضِي إلَّا إذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ مَفْتَحٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَيَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا تَقَعُ إضْرَارًا، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَتْ لِتَرَاضِيهِمَا بِالضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ الْمَسِيلُ الْمُشْتَرَكُ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْآخَرُ.
وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قُسِمَ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَدْرُ مَا يَسِيلُ مَاؤُهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ يُمْكِنُهُ التَّسْيِيلُ فِيهِ يَقْسِمُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَقْسِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الطَّرِيقِ، وَعَلَى هَذَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا مَفْتَحَ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الطَّرِيقِ، وَأَبَى الْآخَرُ إلَّا بِرَفْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَفْتَحٌ آخَرُ يَفْتَحُهُ فِي نَصِيبِهِ؛ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ رَفْعِ الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْ الْقِسْمَةِ - وَهُوَ تَكْمِيلُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ - أَوْفَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَ بَيْنَهُمَا طَرِيقًا وَقَسَمَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَفْتَحٌ كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ طَرِيقٍ تَفْوِيتًا لِلْمَنْفَعَةِ لَا تَكْمِيلًا لَهَا، فَكَانَتْ إضْرَارًا بِهِمَا وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ فَيَجُوزُ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ وَضِيقِهِ جُعِلَ الطَّرِيقُ عَلَى قَدْرِ عَرْضِ بَابِ الدَّارِ وَطُولِهِ عَلَى أَدْنَى مَا يَكْفِيهَا؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ وُضِعَ لِلِاسْتِطْرَاقِ، وَالْبَابُ هُوَ الْمَوْضُوعُ مَدْخَلًا إلَى أَدْنَى مَا يَكْفِي لِلِاسْتِطْرَاقِ فَيَحْكُمُ فِيهِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا إذَا بَنَى رَجُلَانِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَأَبَى الْآخَرُ، وَصَاحِبُ الْأَرْضِ غَائِبٌ؛ لَمْ تُقْسَمْ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَبْنِيَّ عَلَيْهَا بَيْنَهُمَا شَائِعٌ بِالْإِعَارَةِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ، فَلَوْ قَسَمَ الْبِنَاءَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبِيلٌ فِي بَعْضِ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِالتَّرَاضِي جَازَتْ، وَكَذَا لَوْ هَدَمَهَا وَكَانَتْ الْآلَةُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى هَذَا زَرْعٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُمَا؛ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ بَلَغَ وَسَنْبَلَ لَا يَقْسِمُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلَوْ طَلَبَا جَمِيعًا لَا يَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الرِّبَا وَحُرْمَةُ الرَّبَّا لَا تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ بِالرِّضَا، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَقْلًا فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا لَا يَقْسِمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا عَلَى الشِّرْكَةِ فَلَوْ قَسَمَ؛ لَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ مِنْ الْقَطْعِ وَفِيهِ ضَرَرٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الضَّرَرِ.
وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَرَطَا الْقَطْعَ جَازَتْ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِالضَّرَرِ، وَلَوْ شَرَطَا التَّرْكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ رَقَبَةَ الْأَرْضِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَكَانَ شَرْطُ التَّرْكِ مِنْهُمَا فِي الْقِسْمَةِ شَرْطًا لِانْتِفَاعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِلْكِ شَرِيكِهِ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ فَكَانَ مُفْسِدًا لِلْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُمَا، وَكَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا بِالْإِعَارَةِ أَوْ بِالْإِجَارَةِ، وَالزَّرْعُ بَقْلٌ لَا تُقْسَمُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا جَازَتْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَلَا تَجُوزُ بِشَرْطِ التَّرْكِ كَالْبَيْعِ عَلَى ذِكْرِنَا، وَكَذَلِكَ طَلْعٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الطَّلْعِ دُونَ النَّخْلِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَقْسِمْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّرْعِ، وَلَوْ اقْتَسَمَا بِالتَّرَاضِي فَإِنْ شَرَطَا الْقَطْعَ جَازَ، وَإِنْ شَرَطَا التَّرْكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّرْعِ.
وَلَوْ تَرَكَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَأَدْرَكَ وَقَلَعَ فَالْفَضْلُ لَهُ طَيِّبٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ لَكِنَّهُ حَصَلَ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فَلَا يَكُونُ خَبِيثًا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ يَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ؛ لِتَمَكُّنِ الْخُبْثِ فِيهِ فَكَانَ سَبِيلُهُ التَّصَدُّقَ، هَذَا إذَا كَانَ شَيْئًا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ شَيْئًا فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرٌ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا فِيهَا شِقْصٌ قَلِيلٌ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ الْقِسْمَةَ قُسِمَتَا إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي حَقِّهِ مُفِيدَةٌ؛ لِوُقُوعِهَا مُحَصَّلَةٌ لِمَا شُرِعَتْ لَهُ مِنْ تَكْمِيلِ مَنَافِعِ الْمِلْكِ، وَفِي حَقِّ صَاحِبِ الْقَلِيلِ تَقَعُ مَنْعًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْقَلِيلِ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ إلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ صَاحِبِ الْكَثِيرِ؛ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فِي حَقِّهِ مَنْعًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَجَازَتْ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ الْقِسْمَةَ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ الْجَلِيلُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يُقْسَمُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ﵀ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ.
(وَجْهُ) مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْكَثِيرِ، بَلْ لَهُ فِيهِ مُنَفِّعَةٌ فَكَانَ فِي الْإِبَاءِ مُتَعَنِّتًا فَلَا يُعْتَبَرُ إبَاؤُهُ، وَصَاحِبُ الْقَلِيلِ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute