للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُودِ لَفْظِ النِّكَاحِ وَالْأَهْلِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَحَلِّيَّةِ - أَنَّ مَحِلَّ النِّكَاحِ هُوَ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ سَيِّدِنَا آدَمَ النُّصُوصُ وَالْمَعْقُولُ، أَمَّا النُّصُوصُ، فَقَوْلُهُ ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣] ، وَقَوْلُهُ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: ٢١] ، وَقَوْلُهُ ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى﴾ [النجم: ٤٥] جَعَلَ اللَّهُ النِّسَاءَ عَلَى الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ مَحِلَّ النِّكَاحِ وَالزَّوْجِيَّةِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ؛ فَلِأَنَّ الْأُنْثَى مِنْ بَنَاتِ سَيِّدِنَا آدَمَ مَحِلٌّ صَالِحٌ لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ السُّكْنَى وَالْوَلَدِ وَالتَّحْصِينِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَتْ مَحِلًّا لِحُكْمِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ وَسِيلَةٌ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ مَحِلَّ الْمَقْصُودِ مَحِلَّ الْوَسِيلَةِ لَمْ يَثْبُتْ مَعْنَى التَّوَسُّلِ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحِلًّا لِلنِّكَاحِ شَرْعًا مَعَ قِيَامِ الْمَحَلِّيَّةِ حَقِيقَةً، فَقِيَامُ صُورَةِ الْعَقْدِ وَالْمَحَلِّيَّةِ يُورِثُ شُبْهَةً، إذْ الشُّبْهَةُ اسْمٌ لِمَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، أَوْ نَقُولُ: وُجِدَ رُكْنُ النِّكَاحِ وَالْأَهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، إلَّا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُ الصِّحَّةِ فَكَانَ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَكُونُ زِنًا بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ فَيُقَالُ: هَذَا الْوَطْءُ لَيْسَ بِزِنًا.

فَلَا يُوجِبُ حَدَّ الزِّنَا قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ وَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ.

وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ فَإِنْ ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ بِأَنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهُ تَحِلُّ لِي.

لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ - يَجِبُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ شُبْهَةِ الِاشْتِبَاهِ، وَأَنَّهَا تُعْتَبَرُ فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: فِي جَارِيَةِ الْأَبِ وَجَارِيَةِ الْأُمِّ وَجَارِيَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَجَارِيَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ - وَأُمِّ الْوَلَدِ - مَا دَامَتْ تَعْتَدُّ مِنْهُ - وَالْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ وَالْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ، فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الرَّهْنِ، وَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ يَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يُعْتَبَرُ ظَنُّهُ، أَمَّا إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ زَوْجَتِهِ؛ فَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَنْبَسِطُ فِي مَالِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ عَادَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَسْتَخْدِمُ جَارِيَةَ أَبَوَيْهِ وَمَنْكُوحَتِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ؛ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الِانْتِفَاعِ مُطْلَقٌ لَهُ شَرْعًا أَيْضًا، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا ظَنَّهُ دَلِيلًا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ؛ لِإِسْقَاطِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ.

وَإِذَا لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ فَقَدْ عَرَّى الْوَطْءَ عَنْ الشُّبْهَةِ فَتَمَحَّضَ حَرَامًا - فَيَجِبُ الْحَدُّ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ سَوَاءٌ ادَّعَى بِالِاشْتِبَاهِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ ثَبَاتَ النَّسَبِ يَعْتَمِدُ قِيَامَ مَعْنًى فِي الْمَحِلِّ وَهُوَ الْمِلْكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَلَمْ يَدَّعِ الْآخَرُ - لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُقِرَّا جَمِيعًا أَنَّهُمَا قَدْ عَلِمَا بِالْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يَقُومُ بِهِمَا جَمِيعًا فَإِذَا تَمَكَّنَتْ فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ؛ فَقَدْ تَمَكَّنَتْ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ضَرُورَةً.

وَأَمَّا مَنْ سِوَى الْأَبِ وَالْأُمِّ مِنْ سَائِرِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ، كَالْأَخِ وَالْأُخْتِ وَنَحْوِهِمَا إذَا وَطِئَ جَارِيَتَهُ يَجِبُ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي؛ لِأَنَّ هَذَا دَعْوَى الِاشْتِبَاهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَنْبَسِطُ بِالِانْتِفَاعِ بِمَالِ أَخِيهِ وَأُخْتِهِ عَادَةً، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا ظَنًّا مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ.

، وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ جَارِيَةً ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ؛ لِمَا قُلْنَا، أَمَّا إذَا وَطِئَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ؛ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْحِلِّ أَصْلًا؛ لِوُجُودِ الْمُبْطِلِ لِحِلِّ الْمَحَلِّيَّةِ وَهُوَ الطَّلَقَاتُ الثَّلَاثُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ الْفِرَاشِ وَالْحُرْمَةِ عَلَى الْأَزْوَاجِ فَقَطْ فَتَمَحَّضَ الْوَطْءُ حَرَامًا فَكَانَ زِنًا فَيُوجِبُ الْحَدَّ؛ إلَّا إذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ وَظَنَّ الْحِلَّ؛ لِأَنَّهُ بَنَى ظَنَّهُ عَلَى نَوْعِ دَلِيلٍ وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْفِرَاشِ وَحُرْمَةِ الْأَزْوَاجِ فَظَنَّ أَنَّهُ بَقِيَ فِي حَقِّ الْحِلِّ أَيْضًا، وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُ لَمَّا ظَنَّهُ دَلِيلًا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ دَرْأٌ لِمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَإِنْ كَانَ طَلَاقُهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً - لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ، وَإِنْ قَالَ: عَلِمْتَ أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْإِبَانَةِ وَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ مِثْلَ سَيِّدِنَا عُمَرَ يَقُولُ فِي الْكِنَايَاتِ: إنَّهَا رَوَاجِعُ، وَطَلَاقُ الرَّجْعِيِّ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَاخْتِلَافُهُمْ يُورِثُ شُبْهَةً.

وَلَوْ خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا عَلَى مَالٍ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّبْهَةُ فَيَجِبُ الْحَدُّ إلَّا إذَا ادَّعَى الِاشْتِبَاهَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ، وَكَذَلِكَ إذَا وَطِئَ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ تَعْتَدُّ مِنْهُ بِأَنْ أَعْتَقَهَا؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْإِعْتَاقِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَلَمْ تَثْبُتْ الشُّبْهَةُ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ مَوْلَاهُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَنْبَسِطُ فِي مَالِ مَوْلَاهُ عَادَةً بِالِانْتِفَاعِ فَكَانَ وَطْؤُهُ مُسْتَنِدًا إلَى مَا هُوَ دَلِيلٌ فِي حَقِّهِ فَاعْتُبِرَ فِي حَقِّهِ؛ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ وَإِذَا لَمْ يَدَّعِ يُحَدُّ؛ لِعَرَاءِ الْوَطْءِ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>