للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلُّ فِعْلٍ مِنْهُ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ سَرِقَةُ مَا دُونَ النِّصَابِ فَلَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ دَخَلُوا دَارًا، وَأَخْرَجُوا مِنْ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا الْمَتَاعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى صَحْنِ الدَّارِ، ثُمَّ أَخْرَجُوهُ مِنْ الصَّحْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً يُقْطَعُونَ إذَا كَانَ مَا أَخْرَجُوا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَإِنْ تَفَرَّقَ الْإِخْرَاجُ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا تَفَرَّقَ فَهُوَ سَرِقَاتٌ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ مَنْزِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَنْ سَرَقَ مِنْهُ دِرْهَمًا، أَوْ تِسْعَةً لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُمَا سَرِقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَنْزِلَيْنِ حِرْزٌ بِانْفِرَادِهِ فَهَتْكُ أَحَدِهِمَا بِمَا دُونَ النِّصَابِ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَتْكِ الْآخَرِ فَيَبْقَى كُلُّ، وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعْتَبَرًا فِي نَفْسِهِ.

وَلَوْ سَرَقَ رَجُلٌ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِعَشْرَةِ أَنْفُسٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قُطِعَ، وَإِنْ تَفَرَّقَ مُلَّاكُهَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ السَّارِقِ، وَالسَّارِقُ وَاحِدٌ، فَكَانَ النِّصَابُ كَامِلًا، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ حَالُ السَّارِقِ دُونَ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَطْعِ، وَالْقَطْعُ عَلَيْهِ فَيُعْتَبَرُ جَانِبُ مَنْ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَجِبْ لَهُ، بَلْ لِلَّهِ وَإِنْ كَانَ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَسَرَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا يُقْطَعُ إذَا خَرَجَ بِالْجَمِيعِ مِنْ الدَّارِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الدَّارَ حِرْزٌ وَاحِدٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا نِصَابًا كَامِلًا، فَكَانَتْ السَّرِقَةُ وَاحِدَةً، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا حُجُرٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُجْرَةٌ فَسَرَقَ مِنْ كُلِّ حُجْرَةٍ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَرِقَاتٌ إذْ كُلُّ حُجْرَةٍ حِرْزٌ بِانْفِرَادِهَا، وَالسَّرِقَاتُ إذَا اخْتَلَفَتْ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَمَالُ النِّصَابِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَلَوْ سَرَقَ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعُوا، بِخِلَافِ الْوَاحِدِ إذَا سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ أَنَّهُ يُقْطَعُ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ فِي حِرْزٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ جَانِبُ السَّارِقِ لَا جَانِبُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَكَانَتْ السَّرِقَةُ وَاحِدَةً فَيُعْتَبَرُ كَمَالُ النِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا فِي حَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ.

وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُجْتَمَعَةً، أَوْ مُتَفَرِّقَةً بَعْدَ أَنْ كَانَ الْحِرْزُ وَاحِدًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مُتَفَرِّقًا مِنْ كُلِّ كِيسٍ دِرْهَمًا مِنْ عَشْرَةِ أَنْفُسٍ مِنْ مَنْزِلٍ وَاحِدٍ يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الْحِرْزَ وَاحِدٌ فَإِذَا أَخْرَجَهَا مِنْهُ فَقَدْ خَرَجَ بِنِصَابٍ كَامِلٍ مِنْ السَّرِقَةِ فَيُقْطَعُ وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَوَضَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخَذَ ثَوْبًا آخَرَ يُسَاوِي تِسْعَةً فَأَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الْمَأْخُوذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا فَلَا يُقْطَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) صِفَاتُ النِّصَابِ (فَمِنْهَا) أَنْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ الْمَسْرُوقَةُ جِيَادًا حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً زُيُوفًا، أَوْ نَبَهْرَجَةً، أَوْ سَتُّوقَةً لَا يُقْطَعُ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً تَبْلُغُ قِيمَةَ عَشَرَةٍ جِيَادٍ، وَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ إذَا كَانَ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ جِيَادٍ لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَحَادِيثِ يَنْصَرِفُ إلَى الْجِيَادِ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَعْتَبِرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَزْنَ سَبْعَةٍ كَذَا قَالُوا؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قُدِّرَ بِهِ النِّصَابُ فِي الزَّكَوَاتِ، وَالدِّيَاتِ، وَكَذَا النَّاسُ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا فِي، وَزْنِ الدَّرَاهِمِ.

وَلِأَنَّ هَذَا أَوْسَطُ الْمَقَادِيرِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ كَانَتْ صِغَارًا، وَكِبَارًا فَإِذَا جُمِعَ صَغِيرٌ، وَكَبِيرٌ كَانَا دِرْهَمَيْنِ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ، فَكَانَ هَذَا الْوَزْنُ هُوَ أَوْسَطُ الْمَقَادِيرِ فَاعْتُبِرَ بِهِ لِقَوْلِهِ «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا:» ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ مَضْرُوبَةً؟ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - أَنَّهُ يَعْتَبِرُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً، وَهَكَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ تِبْرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً لَا يُقْطَعُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِمْ الرَّحْمَةُ - أَنَّ السَّارِقَ إذَا سَرَقَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَرُوجُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ قُطِعَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا مَضْرُوبَةً لَيْسَ بِشَرْطٍ.

بَلْ يُقْطَعُ فِي الْمَضْرُوبَةِ، وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ مِمَّا يَجُوزُ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَرُوجُ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ لَهُمَا أَنَّ تَقْدِيرَ نِصَابِ السَّرِقَةِ وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ، أَوْ تَقْوِيمَ الْمِجَنِّ، وَقَعَ بِالدَّرَاهِمِ، وَالدَّرَاهِمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبَةِ، وَالتِّبْرُ لَيْسَ بِمَضْرُوبٍ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَضْرُوبِ فِي الْمَالِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْهُ فِي الْقِيمَةِ فَأَشْبَهَ نُقْصَانَ الْوَزْنِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ اعْتَبَرَ الْجَوَازَ، وَالرَّوَاجَ فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ فَأَجْرَى بِهِ التَّعَامُلَ بَيْنَ النَّاسِ، يَسْتَوِي فِي نِصَابِهِ الْمَضْرُوبُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْمُكَسَّرُ كَمَا فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ فَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْحُدُودِ، ثُمَّ كَمَالُ النِّصَابِ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ السَّرِقَةِ لَا غَيْرُ، أَمْ وَقْتَ السَّرِقَةِ، وَالْقَطْعِ جَمِيعًا؟ .

وَفَائِدَةُ هَذَا تَظْهَرُ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>