للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَذْكُرهُ وَلَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً عِنْدَنَا؛ لِانْعِدَامِ الْمَنَعَةِ أَصْلًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَكُونُ غَنِيمَةً.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ وَالْغَنَمَ وَالْمَغْنَمَ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَالٍ أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ.

وَكَذَا إشَارَةُ النَّصِّ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَهِيَ قَوْلُهُ ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ [الحشر: ٦] أَشَارَ إلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً، وَإِصَابَةُ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِإِيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمَنَعَةِ، إمَّا حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ عَلَى طَرِيقِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ الْمَأْخُوذُ غَنِيمَةً بَلْ كَانَ مَالًا مُبَاحًا، فَيَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ كَالصَّيْدِ، إلَّا إنْ أَخَذَاهُ جَمِيعًا فَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ أَخَذَا صَيْدًا، أَمَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَخْذُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ.

أَمَّا حَقِيقَةُ الْمَنَعَةِ فَظَاهِرَةٌ، وَكَذَا دَلَالَةُ الْمَنَعَةِ وَهِيَ إذْنُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ بِالدُّخُولِ فَقَدْ ضَمِنَ لَهُ الْمَعُونَةَ بِالْمَدَدِ وَالنُّصْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، فَكَانَ دُخُولُهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ امْتِنَاعًا بِالْجَيْشِ الْكَثِيفِ مَعْنًى، فَكَانَ الْمَأْخُوذُ مَأْخُوذًا عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَكَانَ غَنِيمَةً، فَهُوَ الْفَرْقُ وَلَوْ اجْتَمَعَ فَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا دَخَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ، وَالْآخَرُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ، فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ فَرِيقٍ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، أَنَّهُ إنْ تَفَرَّدَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَخْذِ شَيْءٍ فَلِكُلِّ فَرِيقٍ مَا أَخَذَ، كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ فَرِيقٍ بِالدُّخُولِ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَإِنْ اشْتَرَكَ الْفَرِيقَانِ فِي الْأَخْذِ، فَالْمَأْخُوذُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الْآخِذِينَ، ثُمَّ مَا أَصَابَ الْمَأْذُونَ لَهُمْ بِخُمْسٍ وَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَهُمْ مُشْتَرَكَةً فِيهِ الْآخِذُ وَغَيْرُ الْآخِذِ؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ، وَهَذَا سَبِيلُ الْغَنَائِمِ، وَمَا أَصَابَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ لَا خُمْسَ فِيهِ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْآخِذِينَ، وَلَا يُشَارِكُهُمْ الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُبَاحٌ.

وَهَذَا حُكْمُ الْمَالِ الْمُبَاحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا هَذَا إذَا اجْتَمَعَ فَرِيقَانِ وَلَا مَنَعَةَ لَهُمْ، فَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَا وَكَانَ لَهُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ مَنَعَةٌ، فَمَا أَصَابَ وَاحِدًا مِنْهُمْ أَوْ جَمَاعَتَهُمْ بِخُمُسٍ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ غَنِيمَةٌ لِوُجُودِ الْمَنَعَةِ، فَكَانَ وُجُودُ الْإِذْنِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ كَانَ الَّذِينَ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهُمْ مَنَعَةٌ، ثُمَّ لَحِقَهُمْ لِصٌّ أَوْ لِصَّانِ لَا مَنَعَةَ لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ثُمَّ لَقَوْا قِتَالًا وَأَصَابُوا مَالًا وَأَصَابُوا غَنَائِمَ، فَمَا أَصَابَ الْعَسْكَرَ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَهُمْ اللِّصُّ، فَإِنَّ هَذَا اللِّصَّ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ، وَمَا أَصَابُوهُ بَعْدَ أَنْ لَحِقَ هَذَا اللِّصُّ بِهِمْ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُمْ؛ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ قَبْلَ اللَّحَاقِ حَصَلَتْ بِقِتَالِ الْعَسْكَرِ حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ غُنْيَةً عَنْ مَعُونَةِ اللِّصِّ فَكَانَ دُخُولُهُ فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمُصَابِ قَبْلَ اللَّحَاقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْجَيْشَ إذَا لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ أَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا أَصَابُوا؛ لِأَنَّ الْجَيْشَ يَسْتَعِينُ بِالْمَدَدِ لِقُوَّتِهِمْ، فَكَانَ الْإِحْرَازُ حَاصِلًا بِالْكُلِّ.

وَكَذَلِكَ الْإِصَابَةُ بَعْدَ اللُّحُوقِ حَصَلَتْ بِاسْتِيلَاءِ الْكُلِّ، لِذَلِكَ شَارَكَهُمْ بِخِلَافِ اللِّصِّ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ -.

وَلَوْ أَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ شَيْئًا مِنْ الْمَتَاعِ الَّذِي لَهُ قِيمَةٌ، وَلَيْسَ فِي يَدِ إنْسَانٍ مِنْهُمْ، كَالْمَعَادِنِ وَالْكُنُوزِ وَالْخَشَبِ وَالسَّمَكِ، فَذَلِكَ غَنِيمَةٌ، وَفِيهِ الْخُمْسُ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ إنَّمَا أَخَذَهُ بِمَنَعَةِ الْجَمَاعَةِ وَقُوَّتِهِمْ، فَكَانَ مَالًا مَأْخُوذًا عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَكَانَ غَنِيمَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَفِي دَارِ الْإِسْلَامِ قِيمَةٌ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ لَا يَقَعُ فِيهِ تَمَانُعٌ وَتَدَافُعٌ، فَلَا يَقَعُ أَخْذُهُ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً، وَلَوْ أَخَذَ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ نَحْوُ الْخَشَبِ فَعَمِلَهُ آنِيَةً أَوْ غَيْرَهَا رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بِذَاتِهِ فَالْعَمَلُ فِيهِ فَضْلٌ لَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ مُتَقَوِّمًا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً لِمَا قُلْنَا، وَلَا خُمْسَ فِيمَا يُؤْخَذُ عَلَى مُوَادَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَأْخُوذٍ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَلَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً، وَكَذَا مَا بُعِثَ رِسَالَةً إلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ لَا خُمْسَ فِيهِ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ قَلْعَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَافْتَدَوْا أَنْفُسَهُمْ بِمَالٍ فَفِيهِ الْخُمْسُ؛ لِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْغَنَائِمِ، فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ فَالْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ: الْمَتَاعُ، وَالْأَرَاضِي، وَالرِّقَابُ، أَمَّا الْمَتَاعُ: فَإِنَّهُ يُخَمَّسُ وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغَانِمِينَ، وَلَا خِيَارَ لِلْإِمَامِ فِيهِ.

وَأَمَّا الْأَرَاضِي فَلِلْإِمَامِ فِيهَا خِيَارَانِ إنْ شَاءَ خَمَّسَهَا وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا فِي يَدِ أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ وَجَعَلَهُمْ ذِمَّةً إنْ كَانُوا بِمَحَلِّ الذِّمَّةِ، بِأَنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَجَمِ، وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ وَهَذَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>