للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ مَعَ التَّعَارُضِ ثُمَّ الْمِلْكُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْغُزَاةِ فِي الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَقَدْ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُمْ حَتَّى يَجُوزَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَلَوْلَا تَعَلُّقُ الْحَقِّ لَجَازَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَالًا مُبَاحًا وَكَذَا لَوْ وَطِئَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا فَأُورِثَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالْوَطْءِ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ مَنَافِعِ بِضْعِهَا، وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ، فَهَاهُنَا أَوْلَى وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ أَيْضًا لَوْ ادَّعَى الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ ثَبَاتَ النَّسَبِ مُعْتَمَدُ الْمِلْكِ أَوْ الْحَقِّ الْخَاصِّ، وَلَا مِلْكَ هَاهُنَا، وَالْحَقُّ عَامٌّ.

وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَكُونُ حُرًّا، وَيَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِهِ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَالِاسْتِيلَاءِ، فَاعْتِرَاضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْأَخْذِ وَالْأَسْرِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ، فَكَانَ الْإِسْلَامُ دَافِعًا الْحَقَّ، لَا رَافِعًا إيَّاهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

(وَأَمَّا) بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ، أَوْ يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ وَيَتَقَرَّرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ الثَّابِتَ انْعَقَدَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، أَوْ تَأَكُّدِ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَتَجُوزُ الْقِسْمَةُ وَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، وَيَضْمَنُ الْمُتْلِفُ، وَتَنْقَطِعُ شَرِكَةُ الْمَدَدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا مِنْ الْمَغْنَمِ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ نَفَاذَ الْإِعْتَاقِ يَقِفُ عَلَى الْمِلْكِ الْخَاصِّ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ، فَأَمَّا الْمَوْجُودُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَمِلْكٌ عَامٌّ، أَوْ حَقٌّ مُتَأَكَّدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِعْتَاقَ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِرْثَ وَالْقِسْمَةَ، وَيَكْفِي لِإِيجَابِ الضَّمَانِ، وَانْقِطَاعِ شَرِكَةِ الْمَدَدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ وَادَّعَى الْوَلَدَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ اسْتِحْسَانًا؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ وَأُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَقِفَانِ عَلَى مِلْكٍ خَاصٍّ، وَذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ، أَوْ حَقٍّ خَاصٍّ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ الْعَامَّ أَوْ الْحَقَّ الْخَاصَّ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ.

(وَأَمَّا) بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ الْخَاصُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازُ الْأَنْصِبَاءِ وَتَعْيِينُهَا، وَلَوْ قَسَمَ الْإِمَامُ الْغَنَائِمَ فَوَقَعَ عَبْدٌ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ، لَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ صَادَفَ مِلْكًا خَاصًّا فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي سَهْمِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمْ، يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلَّ الشُّرَكَاءُ أَوْ كَثُرُوا.

(وَرُوِيَ) عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فَأَبُو حَنِيفَةَ نَظَرَ فِي خُصُوصِ الْمِلْكِ إلَى الْقِسْمَةِ، وَأَبُو يُوسُفَ إلَى الْعَدَدِ، وَالصَّحِيحُ نَظَرُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَتَعْيِينٌ، فَكَانَتْ قَاطِعَةً لِعُمُومِ الشَّرِكَةِ، مُخَصِّصَةً لِلْمِلْكِ وَإِنْ كَثُرَ الْعَدَدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ثُمَّ غَلَبَهُمْ الْعَدُوُّ فَاسْتَنْقَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ جَاءَ عَسْكَرٌ آخَرُ فَأَخَذَهَا مِنْ الْعَدُوِّ فَأَخْرَجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ اخْتَصَمَ الْفَرِيقَانِ نُظِرَ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُونَ لَمْ يَقْتَسِمُوهَا وَلَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَالْغَنِيمَةُ لِلْآخَرِينَ، لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُمْ إلَّا مُجَرَّدُ حَقٍّ غَيْرِ مُتَقَرِّرٍ، وَقَدْ ثَبَتَ لِلْآخَرِينَ مِلْكٌ عَامٌّ أَوْ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ يَجْرِي مَجْرَى الْمِلْكِ، فَكَانُوا أَوْلَى بِالْغَنَائِمِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُونَ قَدْ اقْتَسَمُوهَا فَالْقِسْمَةُ لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْقِسْمَةِ مِلْكًا خَاصًّا، فَإِذَا غَلَبَهُمْ الْكُفَّارُ فَقَدْ اسْتَوْلَوْا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، فَإِنْ وَجَدُوهَا فِي يَدِ الْآخَرِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءُوا كَمَا فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْعَدُوُّ، ثُمَّ وَجَدُوهَا فِي يَدِ الْغَانِمِينَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا، وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَقْتَسِمُوهَا وَلَكِنَّهُمْ أَحْرَزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ قِسْمَةِ الْآخَرِينَ فَالْآخَرُونَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُمْ مِلْكٌ خَاصٌّ بِالْقِسْمَةِ وَالثَّابِتِ لِلْأَوَّلِينَ مِلْكٌ عَامٌّ أَوْ حَقٌّ مُتَقَرِّرٌ عَامٌّ، فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمِلْكِ الْخَاصِّ أَوْلَى.

(وَأَمَّا) إذَا وَجَدَهَا قَبْلَ قِسْمَةِ الْآخَرِينَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَوَّلِينَ أَوْلَى، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْآخَرِينَ أَوْلَى.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّ الثَّابِتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْحَقَّ الْمُتَأَكَّدَ، لَكِنَّ نَقْضَ الْحَقِّ بِالْحَقِّ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ بِمِثْلِهِ كَمَا فِي النَّسْخِ، وَلِهَذَا جَازَ نَقْضُ الْمِلْكِ بِالْمِلْكِ.

(وَجْهُ) الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ حَقَّ الْآخَرِينَ ثَابِتٌ مُتَقَرِّرٌ، وَحَقُّ الْأَوَّلِينَ زَائِلٌ ذَاهِبٌ، فَاسْتِصْحَابُ الْحَالَةِ الثَّابِتَةِ أَوْلَى، إذْ هُوَ يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الْمِلْكِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْتَقَضَ الْحَادِثُ بِالْقَدِيمِ إلَّا أَنَّ النَّقْضَ هُنَاكَ ثَبَتَ نَصًّا (بِخِلَافِ) الْقِيَاسِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، هَذَا إذَا كَانَ الْكُفَّارُ أَحْرَزُوا الْأَمْوَالَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانُوا لَمْ يُحْرِزُوهَا حَتَّى أَخَذَهَا الْفَرِيقُ الْآخَرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>