للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ؛ لِانْقِطَاعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى بَعْدَ وَفَاتِهِ أَمَّا سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّهُ سَقَطَ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، وَيُصْرَفُ إلَى الْخُلَفَاءِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَأْخُذُهُ كِفَايَةً لَهُ لِاشْتِغَالِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مَشْغُولُونَ بِذَلِكَ فَيُصْرَفُ سَهْمُهُ إلَيْهِمْ كِفَايَةً لَهُمْ.

(وَلَنَا) أَنَّ ذَلِكَ الْخُمْسَ كَانَ خُصُوصِيَّةً لَهُ كَالصَّفِيِّ الَّذِي كَانَ لَهُ خَاصَّةً، وَالْفَيْءُ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ خُصُوصٌ مِنْ الْفَيْءِ وَالصَّفِيِّ، فَكَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ خُصُوصٌ مِنْ الْخُمْسِ، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ لِلْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ لَكَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ وَقَدْ قَالَ «إنَّا - مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ - لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» (وَأَمَّا) سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ بَاقٍ وَيُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ أَوْلَادِ سَيِّدَتِنَا فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَغَيْرِهَا، يَسْتَوِي فِيهِ فَقِيرُهُمْ وَغَنِيُّهُمْ.

(وَأَمَّا) عِنْدَنَا فَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ بَقِيَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ كَانَ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ لِفُقَرَاءِ الْقَرَابَةِ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ، يُعْطَوْنَ لِفَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ لَا لِقَرَابَتِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ كَذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَى فُقَرَاءُ قَرَابَتِهِ كِفَايَتَهُمْ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ، وَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَيُجَاوَزُ لَهُمْ مِنْ الْخُمْسِ أَيْضًا لِمَا لَا حَظَّ لَهُمْ مِنْ الصَّدَقَاتِ، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى غَيْرُهُمْ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ دُونَهُمْ فَيُقَسَّمُ الْخُمْسُ عِنْدَنَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ، وَيُقَدَّمُونَ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْءٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِذَوِي الْقُرْبَى سَهْمٌ عَلَى حِدَةٍ يُصْرَفُ إلَى غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: ٤١] الْآيَةَ فَإِنَّ - اللَّهَ تَعَالَى - جَعَلَ سَهْمًا لِذَوِي الْقُرْبَى، وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَكَذَا رُوِيَ أَنَّهُ «قَسَمَ الْخُمْسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، وَأَعْطَى سَهْمًا مِنْهَا لِذَوِي الْقُرْبَى» ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ نَاسِخٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَلَا نَسْخَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

(وَلَنَا) مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ، وَسَيِّدَنَا عُمَرَ، وَسَيِّدَنَا عُثْمَانَ، وَسَيِّدَنَا عَلِيًّا قَسَمُوا الْغَنَائِمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ فَيَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى قَرَابَةَ الرَّسُولِ إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ مُخَالَفَةُ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمُخَالَفَةُ رَسُولِهِ فِي فِعْلِهِ وَمَنْعُ الْحَقِّ عَنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَكَذَا لَا يُظَنُّ بِمَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - السُّكُوتُ عَمَّا لَا يَحِلُّ مَعَ مَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ - تَعَالَى - بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَكَذَا ظَاهِرُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ ذَوِي الْقُرْبَى يَتَنَاوَلُ عُمُومَ الْقَرَابَاتِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ [النساء: ٧] وَلَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ قَرَابَةُ الرَّسُولِ خَاصَّةً وَكَذَا قَوْلُهُ ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ قَسَمَ الْخُمْسَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ، فَأَعْطَى ذَا الْقُرْبَى سَهْمًا» فَنَعَمْ، لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ خَاصَّةً وَكَذَا قَوْلُهُ ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ١٨٠] وَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى قَرَابَةِ الرَّسُولِ لِفَقْرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ أَوْ لِقَرَابَتِهِمْ وَقَدْ عَلِمْنَا بِقِسْمَةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ لِحَاجَتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ لَا لِقَرَابَتِهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِ الْغَنَائِمِ فَتَنَاوَلَ مِنْ وَبَرِ بَعِيرٍ، وَقَالَ: «مَا يَحِلُّ لِي مِنْ غَنَائِمِكُمْ وَلَا وَزْنُ هَذِهِ الْوَبَرَةِ إلَّا الْخُمْسُ وَهُوَ مَرْدُودٌ فِيكُمْ، رُدُّوا الْخَيْطَ وَالْمِخْيَطَ، فَإِنَّ الْغَلُولَ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لَمْ يَخُصَّ الْقَرَابَةَ بِشَيْءٍ مِنْ الْخُمْسِ بَلْ عَمَّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا بِقَوْلِهِ وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ فَدَلَّ أَنَّ سَبِيلَهُمْ سَبِيلُ سَائِرِ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، يُعْطَى مَنْ يَحْتَاجُ مِنْهُمْ كِفَايَتَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ أُعْطِيَ أَيُّ فَرِيقٍ اتَّفَقَ مِمَّنْ سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى جَازَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ لِبَيَانِ الْمَصَارِفِ لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ إلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئًا، بَلْ لِتَعْيِينِ الْمَصْرِفِ حَتَّى لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>