لِانْعِدَامِ وِلَايَتِنَا عَلَيْهِمْ وَانْعِدَامِ وِلَايَتِهِمْ أَيْضًا فِي حَقِّنَا، وَكَذَا غَصْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَادَفَ مَالًا غَيْرُ مَضْمُونٍ فَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَرْبِيَّيْنِ دَايَنَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ، وَلَوْ خَرَجَا مُسْلِمَيْنِ لَقُضِيَ بِالدَّيْنِ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ، وَلَا يُقْضَى بِالْغَصْبِ لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ كَانَ هُوَ الْغَاصِبَ يُفْتَى بِأَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَادِرًا بِهِمْ نَاقِضًا عَهْدَهُمْ، فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ، وَلَا تَتَحَقَّقُ التَّوْبَةُ إلَّا بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، وَعَلَى هَذَا: مُسْلِمَانِ دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ بِأَنْ كَانَا تَاجِرَيْنِ مَثَلًا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا لَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا دَخَلَا دَارَ الْحَرْبِ لِعَارِضِ أَمْرٍ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ، أَوْ لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ كَانَا أَسِيرَيْنِ، أَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ أَسِيرًا مُسْلِمًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْأَسِيرَيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمُسْتَأْمَنِينَ، وَإِنَّمَا الْأَسْرُ أَمْرٌ عَارِضٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّ الْأَسِيرَ مَقْهُورٌ فِي يَدِ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَصَارَ تَابِعًا لَهُمْ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهُ - وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا: الْحَرْبِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ يَنْفُذُ، إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ هَلْ يَثْبُتُ مِنْهُ؟ عِنْدَهُمَا لَا يَثْبُتُ وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ رُكْنَ الْإِعْتَاقِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِعْتَاقِ فِي مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ لِلْمُعْتَقِ، فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ حَقِيقَةٌ، فَكُلُّ مَقْهُورٍ مَمْلُوكٌ، وَكُلُّ قَاهِرٍ مَالِكٌ، هَذَا دِيَانَتُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ سِوَى الْقُدْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، حَتَّى إنَّ الْعَبْدَ مِنْهُمْ إذَا قَهَرَ مَوْلَاهُ يَصِيرُ هُوَ مَالِكًا، وَمَوْلَاهُ مَمْلُوكًا، وَهَذَا لَا يُفِيدُهُ الْإِعْتَاقُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يُوجِبُ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَشَايِخِنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ مُعْتَقٌ بِلِسَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِيَدِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى قَرِيبًا لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِصَرِيحِ الْإِعْتَاقِ فَكَيْفَ يُعْتَقُ بِالشِّرَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَمَعَهُ مُدَبَّرٌ أَوْ مُكَاتَبٌ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ إعْتَاقٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْكِتَابَةُ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِشَرْطِ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، ثُمَّ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ الْمُنْجَزُ، فَكَذَا الْمُعَلَّقُ وَالْمُضَافُ، وَلَوْ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ صَحَّ اسْتِيلَادُهُ إيَّاهَا، حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَيْنَا بِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ اكْتِسَابُ ثَبَاتِ النَّسَبِ لِلْوَلَدِ.
وَالْحَرْبِيُّ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَنْسَابَ أَهْلِ الْحَرْبِ ثَابِتَةٌ؟ وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، فَخَرَجَتْ عَنْ مَحَلِّيَّةِ الْبَيْعِ؛ لِكَوْنِهَا حُرَّةً مِنْ وَجْهٍ قَالَ ﵊: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَفَذَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَقَدْ لَزِمَهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ مَا دَامَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَمِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُعْتِقُ أَنْ يَسْتَرِقَّ بِيَدِهِ مَا أَعْتَقَهُ بِلِسَانِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَخَلَفَ الْمُدَبَّرَ، أَوْ خَلَفَ أُمَّ وَلَدِهِ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ أَوْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِمَا أَمَّا إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَ يُعْتَقَانِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِمَا، وَالْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ الْمُعْتَزِلَةِ (وَأَمَّا) إذَا أُسِرَ فَلِأَنَّهُ صَارَ مَمْلُوكًا فَلَمْ يَبْقَ مَالِكًا ضَرُورَةً.
وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ الَّذِي كَاتَبَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَدَخَلَ هُوَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُكَاتَبٌ عَلَى حَالِهِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ لِوَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ، وَكَذَلِكَ الرُّهُونُ وَالْوَدَائِعُ وَالدُّيُونُ الَّتِي لَهُ عَلَى النَّاسِ.
وَمَا كَانَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ فَهِيَ كُلُّهَا عَلَى حَالِهَا إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ هَذِهِ الْأَمْوَالُ، فَكَانَ حُكْمُ الْأَمَانِ فِيهَا بَاقِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَظَهَرَ الْحَرْبِيُّ أَوْ قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى الدَّارِ، فَمِلْكُهُ عَلَى حَالِهِ يَعُودُ فَيَأْخُذُ، أَوْ يَجِيءُ وَرَثَتُهُ فَيَأْخُذُونَهُ لَهُ أَمَّا إذَا هَرَبَ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُؤْسَرْ فَظَاهِرٌ.
وَأَمَّا إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَظْهَرْ، فَلِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، فَيَجِيئُونَ فَيَأْخُذُونَهُ، وَالْمُكَاتَبُ عَلَى حَالِهِ يُؤَدِّي إلَى وَرَثَتِهِ فَيُعْتَقُ، فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ وَأُسِرَ، أَوْ أُسِرَ وَلَمْ يَظْهَرْ، أَوْ ظَهَرَ وَقُتِلَ يُعْتَقْ مُكَاتَبُهُ أَمَّا إذَا ظَهَرَ وَأُسِرَ، أَوْ أُسِرَ وَلَمْ يَظْهَرْ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِالْأَسْرِ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ وَقُتِلَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الظُّهُورِ قَتْلٌ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَيَبْطُلُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ بِالْأَسْرِ صَارَ مَمْلُوكًا فَلَمْ يَبْقَ مَالِكًا،