لَجَازَ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ إذْ ذَاكَ تَكُونُ خَالِصَ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَتَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ نَافِذٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالِ عَدَمِ الْكَسْبِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ بِالْبَيْعِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْبَاقُونَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِالرَّقَبَةِ فَكَانَ الْبَيْعُ تَصَرُّفًا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ إجَازَتِهِمْ ثُمَّ فَرْقٌ بَيْنَ بَيْعِ الْمَوْلَى وَبَيْنَ بَيْعِ الْوَصِيِّ التَّرِكَةَ فِي الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُ يَنْفُذُ هُنَاكَ، وَهُنَا لَا يَنْفُذُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ حَقَّ اسْتِسْعَاءِ الْمَأْذُونِ، وَهَذَا الْحَقُّ يَبْطُلُ بِالْبَيْعِ فَكَانَ امْتِنَاعُ النَّفَاذِ مُفِيدًا، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ وِلَايَةُ اسْتِسْعَاءِ التَّرِكَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ فَكَانَ عَدَمُ النَّفَاذِ لِلْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ بِبَيْعِ الْوَصِيِّ فَلَمْ يَكُنْ التَّوَقُّفُ مُفِيدًا فَلَا يَتَوَقَّفُ هَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا نَفَذَ الْبَيْعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ هُوَ التَّعَلُّقُ عَنْ التَّضْيِيقِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَخَذُوا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ دُيُونُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ ضَمَّنُوا الْمَوْلَى إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَيْعُ الْمَوْلَى لِوُجُودِ أَصْلِ التَّعْلِيقِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا، فَالْغُرَمَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمَوْلَى.
وَإِنْ شَاءُوا ضَمَّنُوا الْمُشْتَرِيَ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاصِبٌ لِحَقِّهِمْ فَكَانَ لَهُمْ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءُوا، فَإِنْ اخْتَارُوا تَضْمِينَ الْمَوْلَى نَفَذَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ خَلَصَ مِلْكُهُ فِيهِ عِنْدَ الْبَيْعِ بِاخْتِيَارِ الضَّمَانِ فَكَأَنَّهُمْ بَاعُوهُ مِنْهُ بِثَمَنٍ هُوَ قَدْرُ قِيمَتِهِ وَاشْتَرَاهُ مِنْهُمْ بِهِ حَتَّى لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا بَعْدَ هَلَاكِهِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ عَلَى الْمَوْلَى، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ اخْتَارُوا تَضْمِينَ الْمُشْتَرِي بَطَلَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ فَبَطَلَ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ، وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ غَابَ الْمَوْلَى، فَإِنْ وَجَدُوهُ ضَمَّنُوهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ هَذَا وَمَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا سَوَاءٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِالرَّقَبَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، فَأَمَّا حُكْمُ تَعَلُّقِهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ بِأَنْ اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ - إذَا اجْتَمَعَ الدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ بِأَنْ قَتَلَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ رَجُلًا خَطَأً - وَعَلَيْهِ دَيْنٌ - لَا يَبْطُلُ الدَّيْنُ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجِنَايَةِ فِي الْأَصْلِ وُجُوبُ الدَّفْعِ وَلَهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ عَنْهُ بِالْفِدَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَهَذَا لَا يُنَافِي الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ مُتَعَلِّقًا رَقَبَتُهُ بِالدَّيْنِ، وَكَذَا لَا يُنَافِيهِ الْفِدَاءُ لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ مَعًا وَإِمَّا إنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ وَإِمَّا إنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الدِّينِ، فَإِنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الدَّيْنِ وَالْجِنَايَةِ جَمِيعًا يُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يَبِيعُهُ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ، فَإِنَّا إذَا دَفَعْنَاهُ بِالْجِنَايَةِ فَقَدْ رَاعَيْنَا حَقَّ أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَرَاعَيْنَا حَقَّ الْغُرَمَاءِ بِالْبَيْعِ بِدَيْنِهِمْ وَإِذَا دَفَعْنَاهُ إلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَبْطَلْنَا حَقَّ أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ إذْ الثَّابِتُ لِلْمُشْتَرِي مِلْكٌ جَدِيدٌ خَالٍ عَنْ الْجِنَايَةِ فَكَانَتْ الْبِدَايَةُ بِالْجِنَايَةِ مُرَاعَاةَ الْحَقَّيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى ثُمَّ فِي الدَّفْعِ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ ثُمَّ الْبَيْعُ بِالدَّيْنِ فَائِدَةٌ وَهِيَ الِاسْتِخْلَاصُ بِالْفِدَاءِ؛ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي أَعْيَانِ الْأَشْيَاءِ رَغَائِبُ مَا لَيْسَ فِي إبْدَالِهَا، وَإِذَا دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ لِلْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ بِالدَّفْعِ فَكَانَ الدَّفْعُ مِنْهُ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَمَنْ أَتَى بِفِعْلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ إقَامَةِ الْوَاجِبِ فَيَتَنَاقَضُ، ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ فَبِيعَ لِلْغُرَمَاءِ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ صُرِفَ إلَى أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَارَ مِلْكًا لَهُمْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا بِيعَ عَلَى مِلْكِهِمْ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الدَّيْنِ أَوْلَى بِثَمَنِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِمْ فَبَقِيَ الْفَاضِلُ مِنْ دَيْنِهِمْ عَلَى مِلْكِ أَصْحَابِ الْجِنَايَةِ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ جِنَايَةٌ فَبَاعَهُ الْقَاضِي لِلْغُرَمَاءِ وَفَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ أَنَّ الْفَاضِلَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى كَذَا هَذَا.
وَلَوْ دَفَعَهُ الْمَوْلَى إلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ بِدَيْنِهِمْ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ الْأَرْشُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ دَفْعُ عَيْنِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا الْفِدَاءُ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالدَّفْعُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَا يَصْلُحُ دَلِيلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ فَبَقِيَ دَفْعُ الْعَيْنِ وَاجِبًا، وَقَدْ تَعَدَّدَ دَفْعُ عَيْنِهِ بِالدَّفْعِ إلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ فَيَجِبُ دَفْعُ قِيمَتِهِ إذْ هُوَ دَفْعُ الْعَيْنِ مَعْنًى، وَإِنْ حَضَرَ أَصْحَابُ الْجِنَايَةِ أَوَّلًا فَكَذَلِكَ يُدْفَعُ الْعَبْدُ إلَيْهِمْ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute