للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِرَجُلٍ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ نَعَمْ خَرَجَتْ جَوَابًا لِكَلَامِهِ، وَجَوَابُ الْكَلَامِ إعَادَةٌ لَهُ لُغَةً كَأَنَّهُ قَالَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: لِفُلَانٍ فِي ذِمَّتِي أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ هُوَ الدَّيْنُ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ قِبَلِي أَلْفُ دِرْهَمٍ، ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِأَمَانَةٍ فِي يَدِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّ الْقَبَالَةَ هِيَ الْكَفَالَةُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ ﴿وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا﴾ [الإسراء: ٩٢] أَيْ كَفِيلًا وَالْكَفَالَةُ هِيَ الضَّمَانُ قَالَ اللَّهُ : ﴿وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا﴾ [آل عمران: ٣٧] عَلَى قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ أَيْ ضَمِنَ الْقِيَامَ بِأَمْرِهَا وَجْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْقَبَالَةَ تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الضَّمَانِ وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْأَمَانَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ مَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي عَلَى فُلَانٍ يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ، وَمَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ مَعَهُ يَبْرَأُ عَنْ الْأَمَانَةِ.

وَلَوْ قَالَ: لَا حَقَّ لِي قِبَلَهُ يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ وَالْأَمَانَةِ جَمِيعًا فَكَانَتْ الْقَبَالَةُ مُحْتَمِلَةً لِلضَّمَانِ وَالْأَمَانَةِ، وَالضَّمَانُ لَمْ يُعْرَفْ وُجُوبُهُ فَلَا يَجِبُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: فِي دَرَاهِمِي هَذِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّرِكَةِ وَلَوْ قَالَ لَهُ: فِي مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ، ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ هَذَا إقْرَارٌ لَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مَضْمُونٌ أَوْ أَمَانَةٌ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّرِكَةِ لَهُ كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ ظَرْفًا لِلْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ الْأَلْفُ فَيَقْتَضِي الْخَلْطَ وَهُوَ مَعْنَى الشَّرِكَةِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ مَالُهُ مَحْصُورًا يَكُونُ إقْرَارًا بِالشَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْصُورًا يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ فَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ الظَّرْفِ فِي مِثْلِ هَذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الْوُجُوبِ؛ قَالَ النَّبِيُّ «فِي الرِّقَةِ رُبُعُ الْعُشْرِ وَفِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بَلْ يَكُونُ هِبَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ الْمُضَافَ إلَى أَهْلِ الْمِلْكِ لِلتَّمْلِيكِ، وَالتَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ هِبَةٌ وَإِذَا كَانَ هِبَةً فَلَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ فِي مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا لَا تَكُونُ دَيْنًا، إذْ لَوْ كَانَتْ هِبَةً لَكَانَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ وَدِيعَةٌ؛ لِأَنَّ عِنْدِي لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ هِيَ كَلِمَةُ حَضْرَةٍ وَقُرْبٍ وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْمَعْنَى بِالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُثْبِتُ الْوُجُوبُ إلَّا بِدَلِيلٍ زَائِدٍ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ مَعِي أَوْ فِي مَنْزِلِي أَوْ فِي بَيْتِي أَوْ صُنْدُوقِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ وَدِيعَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى قِيَامِ الْيَدِ عَلَى الْمَذْكُورِ، وَذَا لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الذِّمَّةِ لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ فَكَانَتْ وَدِيعَةً؛ لِأَنَّهَا فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَدَائِعِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ تُصْرَفُ إلَيْهَا وَلَوْ قَالَ: لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ عَارِيَّةً، فَهُوَ قَرْضٌ؛ لِأَنَّ عِنْدِي تُسْتَعْمَلُ فِي الْأَمَانَاتِ وَقَدْ فَسَّرَ بِالْعَارِيَّةِ، وَعَارِيَّةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ تَكُونُ قَرْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهَا، وَإِعَارَةُ مَا لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِهِ يَكُونُ قَرْضًا فِي الْمُتَعَارَفِ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِدُونِ الِاسْتِهْلَاكِ، فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِإِعَارَتِهَا إقْرَارًا بِالْقَرْضِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الدَّلَالَةُ فَهِيَ أَنْ يَقُولَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ، فَيَقُولُ: قَدْ قَضَيْتُهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ اسْمٌ لِتَسْلِيمِ مِثْلِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ فَيَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ الْوُجُوبِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْقَضَاءِ إقْرَارًا بِالْوُجُوبِ ثُمَّ يَدَّعِي الْخُرُوجَ عَنْهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: اتَّزِنْهَا لِأَنَّهُ أَضَافَ الِاتِّزَانَ إلَى الْأَلْفِ الْمُدَّعَاةِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَأْمَرُ الْمُدَّعِي بِاتِّزَانِ الْمُدَّعَى إلَّا بَعْدَ كَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِالِاتِّزَانِ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ دَلَالَةً.

وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ انْتَقِدْهَا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ: أَتَّزِنُ أَوْ أَنْتَقِدُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمُدَّعَى فَيَحْتَمِلُ الْأَمْرُ بِاتِّزَانِ شَيْءٍ آخَرَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالِاحْتِمَالِ وَكَذَا إذَا قَالَ: أَجِّلْنِي بِهَا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ مَعَ قِيَامِ أَصْلِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: حَقًّا، يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ حَقَّقْتَ فِيمَا قُلْتَ لِأَنَّ انْتِصَابَ الْمَصْدَرِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إظْهَارِ صَدْرِهِ وَهُوَ الْفِعْلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: قُلْ حَقًّا أَوْ الْزَمْ حَقًّا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الْحَقَّ؛ لِأَنَّهُ تَعْرِيفُ الْمَصْدَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ حَقًّا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: صِدْقًا، أَوْ الصِّدْقَ، أَوْ يَقِينًا، أَوْ الْيَقِينَ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ قَالَ: بِرًّا، أَوْ الْبِرَّ لَا يَكُونُ إقْرَارًا؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْبِرِّ مُشْتَرَكٌ، تُذْكَرُ عَلَى إرَادَةِ الصِّدْقِ وَتُذْكَرُ عَلَى إرَادَةِ التَّقْوَى وَتُذْكَرُ عَلَى إرَادَةِ الْخَيْرِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالِاحْتِمَالِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: صَلَاحًا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>