للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ الْغَيْرِ عَلَى غَيْرِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْدِيقِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ إنْ وُجِدَ التَّصْدِيقُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُقِرِّ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ مِنْ الزَّوْجِ يَصِحُّ تَصْدِيقُ الْمَرْأَةِ سَوَاءٌ صَدَّقَتْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ أَقَرَّ الرَّجُلُ بِالزَّوْجِيَّةِ فَمَاتَ ثُمَّ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ لِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ فِي الْعِدَّةِ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِلتَّصْدِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِالزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ مَوْتِهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَصِحُّ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ النِّكَاحَ يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهٍ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ كَمَا إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّكَاحَ لِلْحَالِ عَدَمٌ حَقِيقَةً فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّصْدِيقِ إلَّا أَنَّهُ أُعْطِيَ لَهُ حُكْمُ الْبَقَاءِ لِاسْتِيفَاءِ أَحْكَامٍ كَانَتْ ثَابِتَةً قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْمِيرَاثُ حُكْمٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ زَائِلًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَلَا يَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَلَدِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ بَلْ عَلَى نَفْسِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَلُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْدِيقِ إذَا كَانَ فِي يَدِ نَفْسِهِ لِمَا قُلْنَا، وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَجُوزُ التَّصْدِيقُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ فِيهِ حَمْلُ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ فَيُقْبَلُ وَكَذَلِكَ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا إلَّا الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ نَسَبُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ تَشْهَدُ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ الْوَلَدِ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِغَيْرِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعَمِّ وَالْأَخِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ نَسَبِ غَيْرِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فِي حَقِّ حُكْمِ الْمِيرَاثِ يُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْرَارِ بِهِ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا إلَّا شَرْطَ حَمْلِ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِنَسَبٍ يَحْمِلُهُ الْمُقِرُّ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ أَصْلًا وَيَصِحُّ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَصْلًا وَيَكُونَ مِيرَاثُهُ لَهُ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ وَاجِبُ التَّصْحِيحِ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَمْكَنَ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ وَارِثٌ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ أَصْلًا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَمِيرَاثُهُ لِعَمَّتِهِ أَوْ لِخَالَتِهِ وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُمَا وَارِثَانِ بِيَقِينٍ فَكَانَ حَقُّهُمَا ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالصَّرْفِ إلَى غَيْرِهِمَا وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِأَخٍ أَوْ ابْنِ ابْنٍ وَلَهُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ ثُمَّ مَاتَ فَالْمِيرَاثُ لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَلَا يَكُونُ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ عَقْدِ الْمُوَالَاةِ لِانْعِدَامِ الرُّجُوعِ حَقِيقَةً فَبَقِيَ الْعَقْدُ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ هُوَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ عَصَبَتُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَكِنَّهُ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ لِرَجُلٍ فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالْبَاقِي لِلْأَخِ الْمُقَرِّ بِهِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ فِي زَعْمِهِ وَظَنِّهِ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى وَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لَكِنَّهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ لِمَا بَيَّنَّا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكَانَ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ آخِرُ الْعَصَبَاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ آخِرُ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَأَضْعَفُ الْوِلَاءَيْنِ لَمَّا مَنَعَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْمَذْكُورِ فَأَقْوَاهُمَا أَوْلَى وَلَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَك قَرَابَةٌ بَطَلَ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بَعْدَ الْإِنْكَارِ بِمَالِهِ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُوصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِنْكَارَ مِنْهُ رُجُوعٌ، وَالرُّجُوعُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْإِقْرَارِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً فِي الْحَقِيقَةِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ صَحِيحٌ وَلَوْ أَنْكَرَ وَلَيْسَ هُنَاكَ مُوصًى لَهُ بِالْمَالِ أَصْلًا فَالْمَالُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ أَصْلًا بِالرُّجُوعِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِوَارِثٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ ثَبَاتِ النَّسَبِ، وَالثَّانِي فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْأَمْرُ فِيهِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا وَإِمَّا إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ هَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الْمَيِّتِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ وَارِثٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَثْبُتُ وَبِهِ أَخَذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>