شَاءَ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ شَاءَ بِمَالِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مِنْ كَسْبِهِ، وَالتَّدْبِيرُ فِي إكْسَابِهِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِأَيِّ دُيُونِهِ شَاءَ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ فَتَرَكَ وَلَدًا: إنَّ وَلَدَهُ يَبْدَأُ مِنْ كَسْبِهِ بِأَيِّ الدُّيُونِ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُكَاتَبِ، فَتَدْبِيرُ كَسْبِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي مَوْتِهِ إلَى الْقَاضِي فَيُبْدَأُ بِالْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ فِي قِيمَتِهِ وَقْتَ الْجِنَايَةِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُكَاتَبِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ يَصْلُحُ حُكْمًا فِي الْمَاضِي فَيَحْكُمُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ الْأَخِيرِ: أَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ يَدَّعِي زِيَادَةَ الضَّمَانِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (وَأَمَّا) قَدْرُ الْوَاجِبِ بِجِنَايَتِهِ فَهُوَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْكَاتِبِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ فَلَا تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ، وَجَبَتْ قِيمَتُهُ وَلَا يُخَيَّرُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ قَدْرَ الدِّيَةِ يَنْقُصُ مِنْ الدِّيَةِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَقَوَّمُ فِي الْجِنَايَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ كَالْبَدَلِ عَنْ الدَّفْعِ، وَالدَّفْعُ يَجِبُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ.
وَكَذَا الْمَنْعُ بِالْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ لِحَقِّ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا يَصِيرُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ فَيُعْتَبَرُ الْحُكْمُ، وَهُوَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْجِنَايَةِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) صِفَةُ الْوَاجِبِ فَهِيَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ حَالًّا لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ هُوَ الدَّفْعُ، وَهَذَا كَالْخَلْفِ عَنْهُ، وَالدَّفْعُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَالًّا لَا مُؤَجَّلًا فَكَذَا الْخُلْفُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ أَجْنَبِيًّا (فَأَمَّا) إذَا كَانَ مَوْلَى الْقَاتِلِ فَالْقَاتِلُ لَا يَخْلُو: (إمَّا) إنْ كَانَ قِنًّا (وَإِمَّا) إنْ كَانَ مُدَبَّرًا (وَإِمَّا) إنْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ (وَإِمَّا) إنْ كَانَ مُكَاتَبًا فَإِنْ كَانَ قِنًّا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً - فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، وَإِنْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَلَهُ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا حَتَّى سَقَطَ الْقِصَاصُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ، وَلَا يَجِبُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ شَيْءٌ فِي قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: يُقَالُ لِلَّذِي عَفَا: إمَّا أَنْ تَدْفَعَ نِصْفَ نُصِيبُكَ، وَهُوَ رُبْعُ الْعَبْدِ إلَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ أَوْ تَفْدِيَهُ بِرُبْعِ الدِّيَةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ، فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا فَقَدْ سَقَطَ نِصْفُ الْقِصَاصَ، وَانْقَلَبَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ، وَهُوَ النِّصْفِ مَالًا شَائِعًا فِي النِّصْفَيْنِ نِصْفُهُ، وَهُوَ الرُّبْعُ فِي نَصِيبِهِ وَنِصْفُهُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ فَمَا كَانَ فِي نَصِيبِهِ يَسْقُطُ، وَمَا كَانَ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ يَثْبُتُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الدِّيَةَ إمَّا أَنْ تَجِبُ حَقًّا لِلْمَوْلَى، وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ حَقٍّ وَجَبَ لَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِبَ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِمْ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ.
وَكَيْفَ مَا كَانَ فَالْمَوْلَى لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، وَإِنْ كَانَ مُدَبَّرًا فَقَتَلَ مَوْلَاهُ خَطَأً فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ، وَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الدِّيَةُ لَوَجَبَتْ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَنَى عَلَى أَجْنَبِيٍّ لَوَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فَهَهُنَا أَوْلَى، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْإِيجَابِ لَهُ، وَعَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ؟ ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تُسَلَّمُ لِلْقَاتِلِ إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَيَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِمَا قُلْنَا، وَوَرَثَتُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَجَّلُوا اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، وَبَطَلَتْ السِّعَايَةُ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَوْفَوْا السِّعَايَةَ ثُمَّ قَتَلُوهُ قِصَاصًا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ ثَبَتَا لَهُمْ، وَاخْتِيَارُ السِّعَايَةِ لَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِعِوَضٍ عَنْ الْمَقْتُولِ بَلْ هِيَ بَدَلٌ عَنْ الرِّقِّ، وَلَوْ كَانَ لِلْمَوْلَى وَلِيَّانِ عَفَا أَحَدُهُمَا - يَنْقَلِبُ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا بِخِلَافِ الْقِنِّ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَوَجَبَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ، وَلَيْسَ يَجِبُ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنٌ، وَهَهُنَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ يَعْتِقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ فَيَسْعَى، وَهُوَ حُرُّ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إيجَابُ الدَّيْنِ لِلْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَإِنْ كَانَ أُمَّ وَلَدٍ فَقَتَلَتْ مَوْلَاهَا خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُدَبَّرِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي السِّعَايَةِ فَأُمُّ الْوَلَدِ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا، وَالْمُدَبَّرُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَاكَ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَعِتْقُ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مَوْلَاهَا عَمْدًا، وَلَهُ ابْنَانِ مِنْ غَيْرِهَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا سَعَتْ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ سَقَطَ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا، وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا السِّعَايَةُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَا فِي نِصْفِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ حُرَّةً وَقْتَ وُجُوبِ السِّعَايَةِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا