الرُّبْعُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ أَرْبَعِ جِنَايَاتٍ إلَّا أَنَّ جِنَايَةَ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ هَدَرٌ، فَبَطَلَ الرُّبْعُ، وَبَقِيَ جِنَايَاتُ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ، فَتُعْتَبَرُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرُّبْعُ.
وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْقَارِصَةِ وَالْقَامِصَةِ وَالْوَاقِصَةِ بِالدِّيَةِ أَثْلَاثًا وَهُنَّ ثَلَاثُ جَوَارٍ رَكِبَتْ إحْدَاهُنَّ الْأُخْرَى فَقَرَصَتْ الثَّالِثَةُ الْمَرْكُوبَةَ فَقَمَصَتْ فَسَقَطَتْ الرَّاكِبَةُ فَقَضَى لِلَّتِي وَقَصَتْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ عَلَى صَاحِبَتِهَا، وَأَسْقَطَ الثُّلُثَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِصَةَ أَعَانَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَرُوِيَ أَنَّ عَشَرَةً مَدُّوا نَخْلَةً فَسَقَطَتْ عَلَى أَحَدِهِمْ، فَمَاتَ فَقَضَى سَيِّدُنَا عَلِيٌّ ﵁ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، وَأَسْقَطَ الْعُشْرَ؛ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ حُرًّا وَعَبْدًا مَحْجُورًا وَمُكَاتَبًا يَحْفِرُونَ لَهُ بِئْرًا، فَوَقَعَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَفْرِهِمْ، فَمَاتُوا - فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي الْحُرِّ وَلَا فِي الْمُكَاتَبِ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ لِمَوْلَاهُ أَمَّا الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمَا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ سَبَبُ وُجُوبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَهُمَا وَقَعَ صَحِيحًا، فَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ إيَّاهُمَا فِي الْحَفْرِ بِنَاءً عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَوُقُوعُ الْبِئْرِ عَلَيْهِمَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ اسْتِئْجَارَهُ لَمْ يَصِحَّ، فَصَارَ الْمُسْتَأْجِرُ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْحَفْرِ غَاصِبًا إيَّاهُ فَدَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، فَإِذَا هَلَكَ فَقَدْ تَقَرَّرَ الضَّمَانُ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَوْلَاهُ ثُمَّ إذَا دَفَعَ قِيمَتَهُ إلَى الْمَوْلَى - فَالْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِيمَةَ إلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ فَيَتَضَارَبُونَ فِيهَا فَيَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ وَوَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ.
وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَصَلَ بِثَلَاثِ جِنَايَاتٍ: بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ، وَجِنَايَةِ صَاحِبَيْهِ، فَصَارَ قَدْرُ الثُّلُثِ مِنْ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ تَالِفًا بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ، وَجِنَايَةُ الْقِنِّ تُوجِبُ الدَّفْعَ، وَلَوْ كَانَ قِنًّا لَوَجَبَ دَفْعُهُ إلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ وَالْمُكَاتَبِ يَتَضَارَبُونَ فِي رَقَبَتِهِ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ، فَإِذَا هَلَكَ وَجَبَ دَفْعُ الْقِيمَةِ إلَيْهِمْ يَتَضَارَبُونَ فِيهَا أَيْضًا فَيَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ فِيهَا بِثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ، وَوَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، وَالْمُكَاتَبَ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ مَرَّةً أُخْرَى، وَيُسَلِّمُ لَهُ تِلْكَ الْقِيمَةَ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ رَدَّ الْمَغْصُوبَ إلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِرَدِّ قِيمَتِهِ إلَيْهِ، لَكِنَّهُ رَدَّهُ مَشْغُولًا، وَقَدْ كَانَ غَصْبُهُ فَارِغًا، فَلَمْ يَصِحَّ رَدُّهُ فِي حَقِّ الشُّغْلِ، فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ مَرَّةً أُخْرَى، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ مِنْ الْحُرِّ عَلَى ثُلُثِ عَبْدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ، وَيَأْخُذُ وَرَثَةُ الْمُكَاتَبِ أَيْضًا مِنْ عَاقِلَةِ الْحُرِّ ثُلُثَ قِيمَةَ الْمُكَاتَبِ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْحُرِّ عَلَى ثُلُثِ قِيمَتِهِ فَيَضْمَنُ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُكَاتَبِ مِقْدَارُ قِيمَتِهِ فَتَكُونُ بَيْنَ وَرَثَةِ الْحُرِّ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِوُجُودِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ عَلَى الْحُرِّ وَعَلَى الْعَبْدِ يَضْرِبُ وَرَثَةُ الْحُرِّ بِثُلُثِ دِيَةِ الْحُرِّ، وَيَضْرِبُ الْمُسْتَأْجِرُ بِثُلُثِ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى ثُلُثِ الْحُرِّ وَعَلَى ثُلُثِ الْعَبْدِ فَأَتْلَفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَهُ، وَالْحُرُّ مَضْمُونٌ بِالدِّيَةِ، وَالْعَبْدُ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ مَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ، فَكَانَ ضَمَانُ الْوَارِدَةِ عَلَى مِلْكِهِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
وَقَالُوا فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي سُوقِ الْعَامَّةِ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ وَمَاتَ: أَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَفْرُ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ اتَّخَذَ قَنْطَرَةً لِلْعَامَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ (وَوَجْهُهُ) أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ الْإِذْنُ بِهِ ثَابِتًا دَلَالَةً، وَالثَّابِتُ دَلَالَةً، كَالثَّابِتِ نَصًّا.
(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى مَصَالِحِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ حَقًّا لَهُمْ، وَالتَّدْبِيرُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ إلَى الْإِمَامِ، فَكَانَ الْحَفْرُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَالْحَفْرِ فِي دَارِ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الْحَافِرِ فِي الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْحَافِرِ مِمَّنْ يُحْدِثُ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ، كَمَنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ نَصَبَ فِيهِ مِيزَابًا، فَصَدَمَ إنْسَانًا، فَمَاتَ، أَوْ بَنَى دُكَّانًا، أَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ مَتَاعًا، أَوْ قَعَدَ فِي الطَّرِيقِ لِيَسْتَرِيحَ، فَعَثَرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَاثِرٌ، فَوَقَعَ، فَمَاتَ أَوْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَتَلَهُ أَوْ حَدَثَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَثْرَةِ وَالسُّقُوطِ جِنَايَةٌ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ صَبَّ مَاءً فِي الطَّرِيقِ فَزُلِقَ بِهِ إنْسَانٌ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ضَامِنٌ.
وَكَذَلِكَ مَا عَطِبَ بِذَلِكَ مِنْ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّهُ سَبَّبَ التَّلَفَ بِإِحْدَاثِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ الرَّمْيِ ثُمَّ مَا كَانَ مِنْ الْجِنَايَةِ فِي بَنِي آدَمَ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةَ إذَا بَلَغَتْ