للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُنْ الْهَلَاكُ حَاصِلًا بِسَبَبٍ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ - فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي دَارِهِ فَعَبَرَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَعَطِبَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْحَدِيثِ وَالنَّوْمِ، فَإِذَا شَغَلَهُ بِذَلِكَ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ، كَمَا لَوْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ جُعِلَ لِلِاجْتِيَازِ لَا لِلْجُلُوسِ، وَإِذَا جَلَسَ فَقَدْ صَارَ مُتَعَدِّيًا - فَيَضْمَنُ كَذَا هَذَا، وَقَوْلُهُمَا الْحَدِيثُ وَالنَّوْمُ مُبَاحٌ فِي الْمَسْجِدِ مُسَلَّمٌ لَكِنْ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَكَانَ تَعَدِّيًا، وَلَوْ جَلَسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ أَوْ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ لِعِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى أَصْلِهِمَا لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَلَسَ لِغَيْرِ قُرْبَةٍ لَا يَضْمَنُ فَإِذَا جَلَسَ لِقُرْبَةٍ فَهُوَ أَوْلَى.

وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُصَلِّي فِي حَقِّ الثَّوَابِ لَا غَيْرُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ جِنَايَةُ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ بِأَنْ سَاقَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَادَهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا بِيَدَيْهَا أَوْ بِرِجْلِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ صَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ السَّوْقَ وَالْقَوْدَ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ، فَإِذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فَوَقَعَ تَعَدِّيًا فَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ عَنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا، وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِأَنْ يَذُودَ النَّاسَ عَنْ الطَّرِيقِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا.

وَسَوَاءٌ كَانَ السَّائِقُ أَوْ الْقَائِدُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إنْسَانًا بِيَدَيْهَا أَوْ بِرِجْلِهَا، وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ، وَإِنْ كَانَ رَاجِلًا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحْرَمُ الْمِيرَاثَ وَالْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ يَتَعَلَّقُ ثُبُوتِهَا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ لَا بِالتَّسْبِيبِ وَالْمُبَاشَرَةِ مِنْ الرَّاكِبِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا سَائِقًا وَالْآخَرُ قَائِدًا - فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّسْبِيبِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الضَّمَانِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا سَائِقًا وَالْآخَرُ رَاكِبًا، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِدًا وَالْآخَرُ رَاكِبًا، - فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ فِيمَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ إنْسَانًا فَقَتَلَتْهُ لِوُجُودِ الْقَتْلِ مِنْهُ وَحْدَهُ مُبَاشَرَةً.

فَإِنْ قَادَ قِطَارًا فَمَا أَصَابَ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخِرُ أَوْ الْأَوْسَطُ إنْسَانًا بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ صَدَمَ إنْسَانًا فَقَتَلَهُ - فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا هُوَ سَبَبُ حُصُولِ التَّلَفِ فَيَضْمَنُ، وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، كَمَا إذَا وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ حَفَرَ فِيهِ بِئْرًا، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فِي آخِرِ الْقِطَارِ - فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبُ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ السَّائِقُ فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَمَا أَصَابَ مِمَّا خَلْفَ هَذَا السَّائِقِ وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا - فَهُوَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ هُوَ لَهُ سَائِقٌ، وَالْأَوَّلُ لَهُ قَائِدٌ، وَمَا خَلْفَهُ هُمَا لَهُ قَائِدَانِ (أَمَّا) قَائِدُ الْقِطَارِ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ مَرْبُوطٌ بِبَعْضٍ.

(وَأَمَّا) السَّائِقُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقِطَارِ فَلِأَنَّهُ بِسَوْقِهِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِدٌ لِمَا خَلْفَهُ لِأَنَّ مَا خَلْفَهُ يَنْقَادُ بِسَوْقِهِ، فَكَانَ قَائِدًا لَهُ، وَالْقَوْدُ وَالسَّوْقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِمَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ أَحْيَانًا فِي وَسَطِ الْقِطَارِ، وَأَحْيَانًا يَتَأَخَّرُ، وَأَحْيَانًا يَتَقَدَّمُ، وَهُوَ يَسُوقُهَا فِي ذَلِكَ - فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَالسَّوْقُ وَالْقَوْدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً أَحَدُهُمْ فِي مُقَدَّمَةِ الْقِطَارِ، وَالْآخَرُ فِي مُؤَخَّرَةِ الْقِطَارِ، وَآخَرُ فِي وَسَطِهِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَالْمُؤَخَّرِ لَا يَسُوقَانِ، وَلَكِنَّ الْمُقَدَّمَ يَقُودُ فَمَا أَصَابَ الَّذِي قُدَّامُ الْوَسَطِ شَيْئًا فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْقَائِدِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبِ الْقَوْدِ، وَمَا أَصَابَ الَّذِي خَلْفَهُ - فَذَلِكَ عَلَى الْقَائِدِ الْأَوَّلِ وَعَلَى الَّذِي فِي الْوَسَطِ؛ لِأَنَّهُمَا قَائِدَانِ لِمَا بَيَّنَّا وَعَلَى الْمُؤَخَّرِ أَيْضًا إنْ كَانَ يَسُوقُ هُوَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسُوقُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ، وَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا يَسُوقُونَ فَمَا تَلِفَ بِذَلِكَ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِوُجُودِ التَّسْبِيبِ مِنْهُمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَقُودُ قِطَارًا، وَآخَرُ مِنْ خَلْفِ الْقِطَارِ يَسُوقُهُ يَزْجُرُ الْإِبِلَ فَيَنْزَجِرْنَ بِسَوْقِهِ، وَعَلَى الْإِبِلِ قَوْمٌ فِي الْمَحَامِلِ نِيَامٌ، فَوَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهَا إنْسَانًا فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَالرَّاكِبِ عَلَى الْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ، وَعَلَى الرَّاكِبِينَ عَلَى الَّذِينَ قُدَّامَ الْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ، وَالْكَفَّارَةُ عَلَى رَاكِبِ الْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ خَاصَّةً، أَمَّا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ فَلِأَنَّهُمَا مُقَرِّبَانِ الْقِطَارَ إلَى الْجِنَايَةِ، فَكَانَا مُسَبِّبَيْنِ لِلتَّلَفِ.

(وَأَمَّا) الرَّاكِبُ لِلْبَعِيرِ الَّذِي وَطِئَ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>