فَلِعَدَمِ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ، وَهُمَا شَجَّتَانِ مُوضِحَتَانِ تَأَكَّلَ بَيْنَهُمَا (وَأَمَّا) عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِأَنَّ مَا تَأَكَّلَ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ تَلِفَ بِسَبَبِ الْجِرَاحَةِ، وَالْإِتْلَافُ تَسْبِيبًا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَاَللَّهُ ﷾ الْمُوَفِّقُ.
وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَيْنِ إذَا قُوِّرَتْ أَوْ فُسِخَتْ لِأَنَّا إذَا فَعَلْنَا مَا فَعَلَ، وَهُوَ التَّقْوِيرُ وَالْفَسْخُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ، وَإِنْ أَذْهَبْنَا ضَوْءَهُ فَلَمْ نَفْعَلْ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ وَصَارَ كَمَنْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ مِنْ السَّاعِدِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَطْعِ مِنْ السَّاعِدِ وَلَا مِنْ الزَّنْدِ لِمَا قُلْنَا فَامْتَنَعَ الْوُجُوبُ، كَذَا هَذَا.
وَإِنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا فَذَهَبَ ضَوْءُهَا مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَنْخَسِفْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ﴾ [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَاثَلَةِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى وَجْهِهِ الْقُطْنُ الْمَبْلُولُ، وَتُحْمَى الْمِرْآةُ، وَتُقَرَّبُ مِنْ عَيْنِهِ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْءُهَا، وَقِيلَ أَوَّلُ مِنْ اهْتَدَى إلَى ذَلِكَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ ﵁ وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ وَقَعَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ ﵁ فَجَمَعَ الصَّحَابَةَ الْكِرَامَ ﵃ وَشَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ حُكْمُهَا حَتَّى جَاءَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ ﵁ وَأَشَارَ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَقَضَى بِهِ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ ﵃ فَيَكُونُ إجْمَاعًا، وَإِنْ انْخَسَفَتْ فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّ الثَّانِيَ قَدْ لَا يَقَعُ خَاسِفًا بِهَا فَلَا يَكُونُ مِثْلَ الْأَوَّلِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ؛ لِأَنَّ الْحَوَلَ نَقْصٌ فِي الْعَيْنِ فَيَكُونُ اسْتِيفَاءَ الْكَامِلِ بِالنَّاقِصِ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ، وَلِهَذَا لَا تُقْطَعُ الْيَدُ الصَّحِيحَةُ بِالْيَدِ الشَّلَّاءِ، كَذَا هَذَا وَلَا قِصَاصَ فِي الْأَشْفَارِ وَالْأَجْفَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهَا (وَأَمَّا) الْأُذُنُ فَإِنْ اسْتَوْعَبَهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ﴾ [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمِثْلِ فِيهَا مُمْكِنٌ فَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَإِنْ كَانَ لَهُ حَدٌّ يُعْرَفُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَإِلَّا فَلَا (وَأَمَّا) الْأَنْفُ فَإِنْ قُطِعَ الْمَارِنُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ﵏ لِقَوْلِهِ ﷾ ﴿وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ﴾ [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمِثْلِ فِيهِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ لَهُ حَدًّا مَعْلُومًا، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُ الْمَارِنِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ، وَإِنْ قُطِعَ قَصَبَةُ الْأَنْفِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَظْمٌ، وَلَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ وَلَا فِي السِّنِّ لِمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اسْتَوْعَبَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا قِصَاصَ فِيهِ وَإِنْ اسْتَوْعَبَ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَرَادَ اسْتِيعَابَ الْمَارِنِ، وَفِيهِ الْقِصَاصُ بِلَا خِلَافٍ، وَمُحَمَّدٌ ﵀ أَرَادَ بِهِ اسْتِيعَابَ الْقَصَبَةِ، وَلَا قِصَاصَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ.
(وَأَمَّا) الشَّفَةُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا قَطَعَ شَفَةَ الرَّجُلِ السُّفْلَى أَوْ الْعُلْيَا.
وَكَانَ يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ﵀ أَنَّهُ إنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِقْصَاءِ، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَلَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا فِي السِّنِّ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ عَنْ التَّعَدِّي أَيْضًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ «لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ» ، وَفِي السِّنِّ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ كُسِرَ أَوْ قُلِعَ لِقَوْلِ اللَّهِ ﵎ ﴿وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ﴾ [المائدة: ٤٥] وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهِ بِأَنْ يُؤْخَذَ فِي الْكَسْرِ مِنْ سِنِّ الْكَاسِرِ مِثْلُ مَا كُسِرَ بِالْمِبْرَدِ، وَفِي الْقَلْعِ يُؤْخَذُ سِنُّهُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِي إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ فِي الْقَلْعِ أَنَّهُ يُقْلَعُ سِنُّهُ؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ، وَالْأَوَّلُ اسْتِيفَاءٌ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ إلَّا أَنَّ فِي الْقَلْعِ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ فِيهِ أَنْ يَفْعَلَ الْمَقْلُوعُ أَكْثَرَ مِمَّا فَعَلَ الْقَالِعُ (وَأَمَّا) اللِّسَانُ فَإِنْ قُطِعَ بَعْضُهُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ، وَإِنْ اسْتَوْعَبَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ اللِّسَانَ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الْقَطْعَ إذَا كَانَ مُسْتَوْعِبًا أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهِ بِالِاسْتِيعَابِ فَيَكُونُ الْجَزَاءُ مِثْلَ الْجِنَايَةِ.
وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ اللِّسَانَ يَنْقَبِضُ وَيَنْبَسِطُ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ قَطَعَ الْحَشَفَةَ فَفِيهَا الْقِصَاصُ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا أَوْ بَعْضَ الذَّكَرِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِصِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ، وَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ مِنْ أَصْلِهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِيهِ الْقِصَاصُ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ أَمْكَنَ الِاسْتِيفَاءُ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ.
وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الذَّكَرَ يَنْقَبِضُ مَرَّةً وَيَنْبَسِطُ أُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ