للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَكْتَةً لَهُ فِي وَسَطِ الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالسُّورَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَصْلَ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْرَهَا وَمَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي بَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ.

وَهَهُنَا نَذْكُرُ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ، وَالْمِقْدَارَ الْمُسْتَحَبَّ مِنْ الْقِرَاءَةِ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْقَدْرُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ هُوَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَيِّ سُورَةٍ كَانَتْ، حَتَّى لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَحْدَهَا أَوْ قَرَأَ مَعَهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا» وَأَقْصُرُ السُّوَرِ ثَلَاثُ آيَاتٍ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْجَوَازِ بَلْ نَفْيُ الْكَمَالِ، وَأَدَاءُ الْمَفْرُوضِ عَلَى وَجْهِ النُّقْصَانِ مَكْرُوهٌ.

وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا بِأَرْبَعِينَ آيَةً مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيْ سِوَاهَا، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَرْبَعِينَ خَمْسِينَ سِتِّينَ سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ لِاخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ.

رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ سُورَةَ (ق) حَتَّى أَخَذَ بَعْضُ النِّسْوَانِ مِنْهُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْهُنَّ أُمُّ هِشَامِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ وَعَنْ مُوَرِّقِ الْعِجْلِيّ قَالَ: تَلَقَّنْتُ سُورَةَ (ق) وَاقْتَرِبْ، مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ مِنْ كَثْرَةِ قِرَاءَتِهِ لَهُمَا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: ١] وَ ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ﴾ [الانفطار: ١] .

وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ ب ﴿الم - تَنْزِيلُ﴾ [السجدة: ١ - ٢] السَّجْدَةِ، وَفِي الْأُخْرَى بِهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ» ، وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ «يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا بَيْنَ سِتِّينَ آيَةً إلَى مِائَةٍ» كَذَا ذَكَرَ وَكِيعٌ.

وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ : لَوْ طَلَعَتْ لَمْ تَجِدْنَا غَافِلِينَ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف: ٨٦] خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَرَكَعَ، وَوَفَّقَ بَعْض هُمْ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَقَالَ: الْمَسَاجِدُ ثَلَاثٌ مَسْجِدٌ لَهُ قَوْمٌ زُهَّادٌ وَعُبَّادٌ يَرْغَبُونَ فِي الْعِبَادَةِ، وَمَسْجِدٌ لَهُ قَوْمٌ كُسَالَى غَيْرُ رَاغِبِينَ فِي الْعِبَادَةِ، وَمَسْجِدٌ لَهُ قَوْمٌ أَوْسَاطٌ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْمَلَ بِأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قِرَاءَةً فِي الْأَوَّلِ وَبِأَدْنَاهَا قِرَاءَةً فِي الثَّانِي وَبِأَوْسَطِهَا قِرَاءَةً فِي الثَّالِثِ عَمَلًا بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولًا عَلَى هَذَا، وَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِنَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ دُونِهِ.

وَذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: حَرَّرْنَا قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِثَلَاثِينَ آيَةً، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ الظُّهْرَ وَقَرَأَ ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ [الطارق: ١] ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١] ، وَفِي الْعَصْرِ يَقْرَأُ بِعِشْرِينَ آيَةً مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيْ سِوَاهَا» ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِسُورَةِ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١] وَ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ [الغاشية: ١] . وَفِي الْعِشَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ» فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ؛ لِقَوْلِ «النَّبِيِّ لِمُعَاذٍ حِينَ كَانَ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ الشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] » ؛ وَلِأَنَّهَا تُؤَخَّرُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فَلَوْ طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ لَتَشَوَّشَ أَمْرُ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَوْمِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ إيَّاهُمْ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ خَمْسِ آيَاتٍ أَوْ سِتِّ آيَاتٍ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَيْ سِوَاهَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ.

وَلِأَنَّا أُمِرْنَا بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ وَفِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ تَأْخِيرُهَا، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَيَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِثْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ سَوَاءٌ وَالْمَغْرِبُ دُونَ ذَلِكَ، وَرَوَى الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ بِعَبَسَ أَوْ إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي الْأُولَى، وَفِي الثَّانِيَةِ بِلَا أُقْسِمُ أَوْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَفِي الْعَصْرِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى وَالضُّحَى أَوْ وَالْعَادِيَاتِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِأَلْهَاكُمْ أَوْ ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١] .

وَفِي الْمَغْرِبِ فِي الْأُولَى مِثْلَ مَا فِي الْعَصْرِ، وَفِي الْعِشَاءِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِثْلَ مَا فِي الظُّهْرِ فَقَدْ جَعَلَهَا فِي الْأَصْلِ كَالْعَصْرِ وَفِي الْمُجَرَّدِ كَالظُّهْرِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>