للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَضْمُونًا كَالْبَكَارَةِ.

وَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فَمَاتَتْ فَلَا شَيْءَ فِي قَوْلِهِمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِفْضَاءِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْوَطْءِ لَا فِي الْقَتْلِ، وَهَذَا قَتْلٌ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ ضَمَانَ هَذَا عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَضَمَانَ الْإِفْضَاءِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْإِفْضَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُجَاوَزَةِ عَنْ الْمُعْتَادِ فَكَانَ عَمْدًا فَكَانَ الْوَاجِبُ بِهِ فِي مَالِهِ (فَأَمَّا) الْقَتْلُ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِهَذَا الْفِعْلِ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ فَتَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ (وَأَمَّا) وَجْهُ قَوْلِهِمَا فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْإِفْضَاءِ.

وَلَوْ وَطِئَهَا فَكَسَرَ فَخِذَهَا ضَمِنَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْوَطْءِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بَلْ هُوَ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ فَكَانَ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا مَحْضًا فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) سَائِرُ جِرَاحِ الْبَدَنِ إذَا بَرِئَتْ وَبَقِيَ لَهَا أَثَرٌ فَفِيهَا حُكُومَةُ الْعَدْلِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ فَلَا شَيْءَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الشَّجَّةِ، وَإِنْ مَاتَ فَالْجِرَاحَةُ لَا تَخْلُو (إمَّا) أَنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ (وَإِمَّا) أَنْ كَانَتْ مِنْ عَدَدٍ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ فَفِيهَا الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا، وَالدِّيَةُ إنْ كَانَتْ خَطَأً.

وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَدَدٍ فَالْجِرَاحَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنْ أَعْدَادٍ (إمَّا) أَنْ كَانَتْ كُلَّهَا مَضْمُونَةً (وَإِمَّا) إنْ كَانَ بَعْضُهَا مَضْمُونًا وَالْبَعْضُ غَيْرَ مَضْمُونٍ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ مَضْمُونًا بِأَنْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً أُخْرَى خَطَأً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَسَوَاءٌ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً، وَالْآخَرُ جَرَحَهُ جِرَاحَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ الْجِرَاحَاتِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَى الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُوتُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَقَدْ يَمُوتُ مِنْ عَشَرَةٍ وَيَسْلَمُ مِنْ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَالْآخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِمَا قُلْنَا.

وَكَذَلِكَ إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَتَيْنِ، وَآخَرُ ثَلَاثًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَتْ الدِّيَةُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِمَا قُلْنَا، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَاحِدَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ فَعَفَا الْمَجْرُوحُ لِلْجَارِحِ عَنْ جِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعَشْرِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْجِرَاحَةِ الْوَاحِدَةِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَعَلَى صَاحِبِ الْعَشَرَةِ الرُّبُعَ، وَيَسْقُطُ الرُّبُعُ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ اعْتِبَارُ عَدَدِ الْجِرَاحَاتِ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْوَاحِدَةُ كَالْعَشْرِ فِي الضَّمَانِ ثُمَّ لَمَّا عَفَا عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ الْعَشْرِ انْقَسَمَتْ الْعَشْرُ فَيَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا فَصَارَ لِتِسْعَةٍ مِنْهَا الرُّبْعُ وَلِلْوَاحِدَةِ الرُّبْعُ فَسَقَطَ بِالْعَفْوِ عَنْ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْعَشَرَةِ الرُّبُعُ وَبَقِيَ الرُّبُعُ تَبَعًا لِلتِّسْعَةِ.

وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ مَضْمُونًا، وَالْبَعْضُ غَيْرَ مَضْمُونٍ يَنْقَسِمُ الضَّمَانُ فَيَسْقُطُ بِقَدْرِ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَيَبْقَى بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا جَرَحَ رَجُلًا جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ سَبُعٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ نِصْفَ الدِّيَةِ، وَنِصْفُهَا هَدَرٌ لِأَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَضْمُونَةٌ وَالْأُخْرَى لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ فَانْقَسَمَ الضَّمَانُ فَسَقَطَ بِقَدْرِ غَيْرِ الْمَضْمُونِ وَبَقِيَ بِقَدْرِ الْمَضْمُونِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ الرَّجُلُ جِرَاحَتَيْنِ وَالسَّبُعُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً أَوْ جَرَحَهُ السَّبُعُ جِرَاحَتَيْنِ وَالرَّجُلُ جِرَاحَةً وَاحِدَةً فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِكَثْرَةِ الْجِرَاحَةِ لِمَا بَيَّنَّا.

وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَعَقَرَهُ سَبُعٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ، وَخَرَجَ بِهِ خُرَّاجٌ، وَأَصَابَهُ حَجَرٌ رَمَتْ بِهِ الرِّيحُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا حُكْمٌ يَلْزَمُ أَحَدًا كَجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مَضْمُونَةٌ وَالْأُخْرَى غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فَيَلْزَمُ الرَّجُلَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيَبْطُلُ نِصْفُهَا، سَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُ الْهَدْرِ أَوْ قَلَّ، هُوَ كَجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْهَدْرَ لَهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ فَصَارَ كَجِرَاحَاتِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ إنَّهَا فِي الْحُكْمِ كَجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، كَذَا هَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً أُخْرَى ثُمَّ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ يَلْزَمُ فَاعِلَهُ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ ثُلُثَ الدِّيَةِ، وَيُهْدَرُ الثُّلُثُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْهَدْرَ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَإِنْ كَثُرَ فَهُوَ كَجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ جِرَاحَتَيْ الرَّجُلَيْنِ مَضْمُونَةٌ فَقَدْ مَاتَ مِنْ ثَلَاثِ جِرَاحَاتِ جِرَاحَتَانِ مِنْهَا مَضْمُونَتَانِ وَجِرَاحَةٌ هَدَرٌ فَتُقَسَّمُ الدِّيَةُ أَثْلَاثًا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَهُوَ الثُّلُثُ وَيَبْقَى قَدْرُ الْمَضْمُونِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَإِنْ كَانَ لِبَعْضِ الْجُنَاةِ جِنَايَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ مَا يَخُصُّهُ عَلَى جِنَايَاتِهِ بَعْدَ مَا قَسَّمَ عَدَدَ الْجِنَايَةِ عَلَى أَحْكَامِ الْجِنَايَاتِ، وَذَلِكَ نَحْوُ رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ لِعِلَّةٍ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>