للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِهِ، فَالنِّصْفُ لِابْنِهِ، وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا النِّصْفُ لِابْنِهِ، وَمَا بَقِيَ، فَلِابْنِ ابْنِهِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً سَقَطَ الْمَجَازُ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ حَمْلُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ اسْمٌ لِلثَّابِتِ الْمُسْتَقِرِّ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَجَازُ مَا انْتَقَلَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا فِي مَحَلِّهِ، وَمُنْتَقِلًا عَنْ مَحَلِّهِ.

وَلَوْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَبَنُو ابْنٍ، فَلَا شَيْءَ لِلْفَرِيقَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِهِمَا هُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَدُ الصُّلْبِ إذَا كَانَ حَيًّا يَسْقُطُ مَعَهُ، وَلَدُ الْوَلَدِ غَيْرَ أَنَّ وَلَدَ الصُّلْبِ هَهُنَا الْبَنَاتُ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَاسْمُ الْبَنِينَ لَا يَتَنَاوَلُ الْبَنَاتِ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى أَصْلِهِمَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يُجَزْ أَوْلَادُ الْوَلَدِ بِالْوَصِيَّةِ، وَيَتَنَاوَلُهُمَا الِاسْمُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ، وَصَارُوا كَالْبَطْنِ الْوَاحِدِ، فَيَشْتَرِكُ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ، وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِإِخْوَةِ فُلَانٍ، وَهُمْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - هُوَ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ لَا يُزَادُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى، وَالْحُجَجُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ، فَالذَّكَرُ فِيهِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ اسْمٌ لِلْمَوْلُودِ، وَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى، وَلَوْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ حَامِلٌ دَخَلَ مَا فِي بَطْنِهَا فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ، ثُمَّ الْحَمْلُ يَدْخُلُ فِي الْمِيرَاثِ، فَيَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ بَنَاتٌ وَبَنُو ابْنٍ، فَالْوَصِيَّةُ لِبَنَاتِهِ دُونَ بَنِي ابْنِهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ لِلْبَنَاتِ بِانْفِرَادِهِنَّ حَقِيقَةٌ وَلِأَوْلَادِ الِابْنِ مَجَازٌ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدُ صُلْبٍ، فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ الِابْنِ يَسْتَوِي فِيهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، فَيُعْمَلُ بِالْمَجَازِ تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ، وَلَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ وَلَدَ الْبَنَاتِ يَدْخُلُونَ فِيهَا كَوَلَدِ الْبَنِينَ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا أَخَذَ الْأَمَانَ لِنَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ، فَصَارَ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ (وَجْهُ) رِوَايَةِ الْخَصَّافِ أَنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى أَبَوَيْهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ أَبِيهِ وَوَلَدُ أُمِّهِ حَقِيقَةً لِانْخِلَاقِهِ مِنْ مَائِهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ وَلَدُ ابْنِهِ يُنْسَبُ إلَيْهِ، فَكَذَا وَلَدُ بِنْتِهِ؛ وَلِهَذَا يُضَافُ أَوْلَادُ سَيِّدَتِنَا، فَاطِمَةَ إلَى أَبِيهَا رَسُولِ اللَّهِ «وَقَالَ لِلْحَسَنِ إنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ» .

وَرُوِيَ أَنَّهُ «قَالَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ إنَّ ابْنَيَّ لَسَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» .

وَكَذَا يُقَالُ لِسَيِّدِنَا عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْتَسَبُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ لَا إلَى أَبُ الْأُمِّ قَالَ الشَّاعِرُ

بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وَبَنَاتُنَا … بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ

(وَأَمَّا) قَوْلُهُ إنَّ الْوَلَدَ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَإِلَى أُمِّهِ قُلْنَا: نَعَمْ، وَبِنْتُ الرَّجُلِ وَلَدُهُ حَقِيقَةً، فَكَانَ وَلَدُهَا وَلَدَهُ حَقِيقَةً بِوَاسِطَتِهَا حَتَّى تَثْبُتَ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْأَوْلَادِ فِي حَقِّهِ، كَمَا تَثْبُتُ فِي أَوْلَادِ الْبَنِينَ إلَّا أَنَّ النَّسَبَ إلَى الْأُمَّهَاتِ مَهْجُورٌ عَادَةً، فَلَا يُنْسَبُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَى آبَاءِ الْأُمَّهَاتِ بِوَسَاطَتِهِنَّ، وَلَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ النِّسْبَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَأَوْلَادُ سَيِّدَتِنَا، فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ تُهْجَرْ نِسْبَتُهُمْ إلَيْهَا، فَيُنْسَبُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ بِوَاسِطَتِهَا، وَقِيلَ إنَّهُمْ خُصُّوا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَشْرِيفًا وَإِكْرَامًا لَهُمْ، وَقَدْ رَوَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ فِي هَذَا حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ بَنِي بِنْتٍ بَنُو أَبِيهِمْ إلَّا أَوْلَادَ، فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّهُمْ أَوْلَادِي» ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ، فَالثُّلُثُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ الْوَلَدَ الْوَاحِدَ، فَمَا زَادَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً، وَلَا يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ قَالَ هِشَامٌ: سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ، فَقَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ ابْنَيَّ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، فَكَمْ يُجْعَلُ لِلْمُوصَى لَهُ قَالَ: ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ إنْ شَاءُوا أَعْطُوهُ أَقَلَّ الْأَنْصِبَاءِ قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَتَانِ، وَابْنٌ قَالَ: فَكَذَلِكَ أَيْضًا قُلْت

<<  <  ج: ص:  >  >>