مُطْلَقَةً، فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْعَيْنِ مَا عَاشَ، وَإِذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ يُعْتَبَرُ فِيهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا يُضَمُّ إلَيْهَا قِيمَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ، وَالْعَيْنُ مِلْكٌ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ؛؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ بِوَصِيَّتِهِ بِالْمَنَافِعِ مَنَعَ الْعَيْنَ عَنْ الْوَارِثِ، وَحَبَسَهَا عَنْهُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَيْنِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِهَا، فَصَارَتْ مَمْنُوعَةً عَنْ الْوَارِثِ مَحْبُوسَةً عَنْهُ، وَالْمُوصِي لَا يَمْلِكُ مَنْعَ مَا زَادَ عَنْ الثُّلُثِ عَلَى الْوَارِثِ، فَاعْتُبِرَ خُرُوجُ الْعَيْنِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ (وَلِهَذَا) لَوْ أَجَّلَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ دَيْنًا مُعَجَّلًا لَهُ لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ التَّأْجِيلُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ مِلْكِ الدَّيْنِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيهِ مَنْعُ الْوَارِثِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا فِي قَدْرِ الثُّلُثِ كَذَا هَهُنَا، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ خُرُوجَ الْعَيْنِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْمَنَافِعِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا، فَيَسْتَخْدِمَ الْعَبْدَ، وَيَسْكُنَ الدَّارَ مَا عَاشَ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْإِعَارَةِ، فَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ إيَّاهُ كَمَا تَبْطُلُ الْإِعَارَةُ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ بِانْفِرَادِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْإِرْثَ، وَإِنْ كَانَ تَمَلُّكُهَا بِعِوَضٍ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا ﵃ كَإِجَارَةِ فُلَانٍ لَا يُحْتَمَلُ فِيمَا هُوَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ دَارِهِ، أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلِهِ، فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ، وَفِي النَّخْلِ ثَمَرٌ.
وَكَانَ وَجَبَ بِمَا اسْتَغَلَّ الدَّارَ آخَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ مَلَكَهَا الْمُوصَى لَهُ، وَتَرَكَهُ بِالْمَوْتِ، فَيَصِيرُ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ، وَفِي الْمَنْفَعَةِ لَا حَتَّى أَنَّ مَا يَحْصُلُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَلْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمُوصَى لَهُ، فَلَا يُوَرَّثُ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْمَنَافِعِ فِي قَدْرِ مَا تَخْرُجُ الْعَيْنُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ سِوَى الْعَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ، وَالدَّارِ، تُقَسَّمُ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَثُلُثَاهَا لِلْوَرَثَةِ، فَيَسْتَخْدِمُ الْمُوصَى لَهُ الْعَبْدَ يَوْمًا، وَالْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ، وَفِي الدَّارِ يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ تُرَدُّ الْمَنْفَعَةُ إلَى الْوَرَثَةِ، وَحَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ لِرَجُلٍ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهَا، وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ إنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمْ تَصِحَّ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالشُّيُوعُ شَائِعٌ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَالشُّيُوعُ يُؤَثِّرُ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ (وَهَذَا) لَا يَتَفَرَّعُ عَلَى أَصْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ بَاطِلَةٌ عَلَى أَصْلِهِ، فَتَبْقَى السُّكْنَى كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ، وَلَوْ أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَيْعَ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ الْقِسْمَةَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ (عِنْدَ) أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُمْ ذَلِكَ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْمِلْكَ مُطْلَقٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا الِامْتِنَاعُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، وَحَقُّ الْغَيْرِ هَهُنَا تَعَلَّقَ بِالثُّلُثِ لَا بِالثُّلُثَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالثُّلُثِ لَا غَيْرَ، فَخَلَا ثُلُثَا الدَّارِ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا، فَكَانَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ، وَالْقِسْمَةِ.
وَكَذَا الْحَاجَةُ دَعَتْ إلَى الْقِسْمَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَنَافِعِ كُلِّ الدَّارِ عَلَى الشُّيُوعِ، وَذَلِكَ بِمَنْعِ جَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ رَقَبَةَ الْمُسْتَأْجَرِ مِلْكُ الْمُؤَجِّرِ لَكِنْ لَمَّا تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ مَنَعَ جَوَازَ الْبَيْعِ، وَنَفَاذَهُ بِدُونِ إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ كَذَا هَهُنَا.
وَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ هَذَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً، فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ؛ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُوصَى لَهُ سَنَةً كَامِلَةً، ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ، وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ أَثْلَاثًا يَخْدُمُ الْعَبْدُ يَوْمًا لِلْمُوصَى لَهُ، وَيَوْمَيْنِ لِلْوَرَثَةِ، فَيَسْتَوْفِي الْمُوصَى لَهُ خِدْمَةَ السَّنَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا دَارًا يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا، وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا يُهَايِئَانِ مَكَانًا؛ لِأَنَّ التَّهَايُؤَ بِالْمَكَانِ فِي الدَّارِ مُمْكِنٌ، وَفِي الْعَبْدِ لَا يُمْكِنُ لِاسْتِحَالَةِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ بِثُلُثِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَبِثُلُثَيْهِ لِلْآخَرِ، فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَى الْمُهَايَئَات زَمَانًا، وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ مِنْ الْوَقْتِ سَنَةً بِعَيْنِهَا بِأَنْ قَالَ: سَنَةَ كَذَا، أَوْ شَهْرَ كَذَا، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ خِدْمَةَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَنْتَفِعُ بِهَا تِلْكَ السَّنَةَ أَوْ الشَّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ، فَفِي الْعَبْدِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute