للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا وَصِيَّةً، وَلَا صَدَقَةً.

وَالْجَهَالَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمُعَاوَضَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوَصِيَّةَ بِظَهْرِ فَرَسِهِ لِلْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرَيْعَةُ مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ جَعَلَ فَرَسَهُ لِلْمَسَاكِينِ وَقْفًا فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ.

وَعِنْدَهُمَا لَوْ جَعَلَهُ وَقْفًا فِي حَالِ حَيَاتِهِ جَازَ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْلُومًا، أَوْ مَجْهُولًا فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ تُمْكِنُ إزَالَتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا، وَمِنْ جِهَةِ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَشْبَهَتْ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَالِ الْإِقْرَارِ، وَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ كَذَا جَهَالَةُ الْمُوصَى لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا.

وَعَلَى هَذَا مَسَائِلُ: بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى.

بَيَانِ قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الْوَصَايَا الَّتِي فِيهَا ضَرْبُ إبْهَامٍ، وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ اسْتِخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْمَجْهُولِ بِالْحِسَابِ، وَهِيَ الْمَسَائِلُ الْحِسَابِيَّةُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ فِي حَيَاتِهِ شَيْئًا، وَإِلَّا أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ، فَيَصِحُّ الْبَيَانُ فِيهِ مَادَامَ حَيًّا، وَمِنْ وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ لَوْ أَوْصَى بِأَلْفٍ إلَّا شَيْئًا، أَوْ إلَّا قَلِيلًا، أَوْ إلَّا يَسِيرًا، أَوْ زُهَاءَ أَلْفٍ، أَوْ جُلَّ هَذِهِ الْأَلْفِ، أَوْ عِظَمَ هَذَا الْأَلْفِ، وَذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَلَهُ النِّصْفُ مِنْ ذَلِكَ، وَزِيَادَةٌ.

وَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ فَهُوَ إلَى الْوَرَثَةِ يُعْطُونَ مِنْهُ مَا شَاءُوا؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ، وَالْيَسِيرَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمُقَابَلَةِ فَلَا يَكُونُ قَلِيلًا إلَّا، وَبِمُقَابَلَتِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ، فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ النِّصْفُ، وَزِيَادَةٌ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مَجْهُولَةٌ فَيُعْطِيهِ الْوَرَثَةُ مِنْ الزِّيَادَةِ مَا شَاءُوا.

وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ يُرَادُ بِهِ الْيَسِيرُ، وَقَوْلُهُ: جُلَّ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَعَامَّةَ هَذِهِ الْأَلْفِ، وَعِظَمَ هَذِهِ الْأَلْفِ عِبَارَاتٌ عَنْ أَكْثَرِ الْأَلْفِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى النِّصْفِ، وَزُهَاءُ أَلْفٍ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَرِيبِ مِنْ الْأَلْفِ، وَأَكْثَرُ الْأَلْفِ قَرِيبٌ مِنْ الْأَلْفِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ مِثْلُ أَخَسِّ الْأَنْصِبَاءِ يُزَادُ عَلَى الْفَرِيضَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .

وَعِنْدَهُمَا - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى السُّدُسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَجُوزُ النُّقْصَانُ عَنْ السُّدُسِ عِنْدَهُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَجُوزُ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا مَاتَ الْمُوصِي، وَتَرَك زَوْجَةً، وَابْنًا، فَلِلْمُوصَى لَهُ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ الثُّمُنُ، وَيُزَادُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ آخَرُ فَيَصِيرُ تِسْعَةً فَيُعْطَى تِسْعَةَ الْمَالِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْطَى السُّدُسُ؛ لِأَنَّهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ.

وَلَوْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَأَخًا لِأَبٍ، وَأُمٍّ، أَوْ لِأَبٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ أَخَسَّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ الرُّبُعُ هَهُنَا، وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ الزِّيَادَةُ عَلَى السُّدُسِ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ فَزَادَ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِثْلَ رُبُعِهَا، وَذَلِكَ سَهْمٌ، وَهُوَ خُمُسُ الْمَالِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَتَرَكَتْ زَوْجًا، وَابْنًا، وَلَوْ تَرَكَ ابْنَيْنِ فَلَهُ السُّدُسُ عِنْدِهِ، وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ.

وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ ثَلَاثَ بَنِينَ، فَإِنْ تَرَكَ خَمْسَةَ بَنِينَ فَلَهُ سُدُسُ جَمِيعِ الْمَالِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يُجْعَلُ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، ثُمَّ يُزَادُ عَلَيْهِ سَهْمٌ فَيُعْطَى أَرْبَعَةً إذًا، وَإِنْ أَقَرَّ بِسَهْمٍ مِنْ دَارِهِ لِإِنْسَانٍ فَلَهُ السُّدُسُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْبَيَانُ إلَى الْمُقِرِّ.

وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ سَهْمًا مِنْ عَبْدِهِ يُعْتَقُ سُدُسُهُ عِنْدَهُ لَا غَيْرُ، وَعِنْدَهُمَا يُعْتَقُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ السَّهْمَ اسْمٌ لِنَصِيبٍ مُطْلَقٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مُقَدَّرٌ بَلْ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ كَاسْمِ الْجُزْءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَهْمًا إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَيُقَدَّرُ بِوَاحِدٍ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيُقَدَّرُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ يَزِيدُ ذَلِكَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُزَادُ إلَى الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا جَوَازَ لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ،، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ (مَا رُوِيَ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَالَ لَهُ السُّدُسُ.

(وَالظَّاهِرُ) أَنَّ الصَّحَابَةَ بَلَغَتْهُمْ فَتْوَاهُ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَيَكُونُ إجْمَاعًا.

وَرُوِيَ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةُ أَنَّهُ قَالَ: السَّهْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ السُّدُسُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي أَحَدِ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ السُّدُسَ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقَ سَهْمٍ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، فَلَا يُزَادُ عَلَى أَقَلِّ سِهَامِهِمْ بِالشَّكِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>