للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِشْرَاكِ عَمَلٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ، وَعِنْدَ الْإِعَادَةِ.

وَكَوْنُ الثَّانِي مَحَلًّا لِلْوَصِيَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الْإِشْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَعَادَ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ تِلْكَ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي، وَلَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالرُّجُوعِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رُجُوعًا هَذَا إذَا قَالَ: الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ.

وَكَذَا إذَا قَالَ: الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ قَدْ أَوْصَيْتُهَا لِفُلَانٍ أَوْ فَقَدْ أَوْصَيْتُهَا لِفُلَانٍ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: وَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ، فَهَذَا يَكُونُ إشْرَاكًا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلشَّرِكَةِ، وَلِلِاجْتِمَاعِ.

وَلَوْ قَالَ: كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فَهَذَا رُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِبْطَالِ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لَلْبُطْلَانِ فَتَبْطُلُ، وَهُوَ مَعْنَى الرُّجُوعِ.

وَلَوْ قَالَ: كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ حَرَامٌ أَوْ هِيَ رِبًا لَا يَكُونُ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُنَافِي الْوَصِيَّةَ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلَ الرُّجُوعِ.

وَلَوْ قَالَ: كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِفُلَانٍ وَارِثِي كَانَ هَذَا رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ لِفُلَانٍ، وَوَصِيَّتُهُ لِلْوَارِثِ فَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ الْوَصِيَّةَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا إلَى مَنْ يَصِحُّ النَّقْلُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَالْبَاطِلُ لَا يَحْتَمِلُ التَّوَقُّفَ، وَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ لِلْأَوَّلِ ضَرُورَةٌ، وَهَذَا مَعْنَى الرُّجُوعِ ثُمَّ إنْ أَجَازَتْ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ الْوَصِيَّةَ لِهَذَا الْوَارِثِ نَفَذَتْ وَصَارَ الْمُوصَى بِهِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ الْأَوَّلُ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ لِانْتِقَالِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ، وَصَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمُوصَى كَمَا لَوْ رَجَعَ صَرِيحًا.

وَلَوْ قَالَ: الْوَصِيَّةُ الَّتِي أَوْصَيْتُ بِهَا لِفُلَانٍ فَهِيَ لِعَمْرِو بْنِ فُلَانٍ، وَعَمْرٌو حَيٌّ يَوْمَ قَالَ الْمُوصِي هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَانَ رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِعَمْرٍو وَقَعَتْ صَحِيحَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَقْتَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ النَّقْلُ إلَيْهِ فَصَحَّ الرُّجُوعُ، وَلَوْ كَانَ عَمْرٌو مَيِّتًا يَوْمَ كَلَامِ الْوَصِيَّةِ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَصِحَّ إيجَابُ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَلَمْ يَثْبُتْ مَا فِي ضِمْنِهِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ، وَلَوْ كَانَ عَمْرٌو حَيًّا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ حَتَّى صَحَّتْ، ثُمَّ مَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ نَفَاذَهَا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُهَا عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِكَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مَيِّتًا، فَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْوَرَثَةِ.

وَلَوْ قَالَ: الثُّلُثُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِعَقِبِ عَمْرٍو، فَإِذَا عَمْرٌو حَيٌّ، وَلَكِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - فَالثُّلُثُ لِعَقِبِهِ.

وَكَانَ رُجُوعًا عَنْ وَصِيَّةِ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَقِبِ عَمْرٍو وَقَعَ صَحِيحًا إذَا كَانَ لِعَمْرٍو عَقِبٌ يَوْمَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ عَقِبَ الرَّجُلِ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ وَلَدُهُ فَلَمَّا مَاتَ عَمْرٌو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - فَقَدْ صَارَ وَلَدُهُ عَقِبًا لَهُ يَوْمَ نَفَاذِ الْإِيجَابِ، وَهُوَ يَوْمُ مَوْتِ الْمُوصِي فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِوَلَدِ فُلَانٍ، وَلَا وَلَدَ لَهُ يَوْمئِذٍ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي - إنَّ الثُّلُثَ يَكُونُ لَهُ كَذَا هَهُنَا ثُمَّ إذَا صَحَّ إيجَابُ الثُّلُثِ لَهُ بَطَلَ حَقُّ الْأَوَّلِ؛ لِمَا قُلْنَا، فَإِنْ مَاتَ عَقِبُ عَمْرٍو بَعْدَ مَوْتِ عَمْرٍو قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي - رَجَعَ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَهُمْ قَدْ صَحَّ لِكَوْنِهِمْ عَقِبًا لِعَمْرٍو، فَثَبَتَ الرُّجُوعُ عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُمْ بِمَوْتِهِمْ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَا يَبْطُلُ الرُّجُوعُ.

وَلَوْ مَاتَ الْمُوصِي فِي حَيَاةِ عَمْرٍو فَالثُّلُثُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ مَاتَ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوصَى لَهُمْ اسْمُ الْعَقِبِ بَعْدُ فَبَطَلَ الْإِيجَابُ لَهُمْ أَصْلًا، فَبَطَلَ مَا كَانَ ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى.

وَلَوْ أَوْصَى ثُمَّ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا قَالَ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي رَجُلٍ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: لَا أَعْرِفُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ، قَالَ: هَذَا رُجُوعٌ مِنْهُ.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَمْ أُوصِ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ قَالَ: وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يَكُونُ الْجَحْدُ رُجُوعًا، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: اشْهَدُوا أَنِّي لَمْ أُوصِ لِفُلَانٍ بِقَلِيلٍ، وَلَا كَثِيرٍ - لَمْ يَكُنْ هَذَا رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ وَصِيَّةِ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ.

(وَجْهُ) مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ: أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ يَسْتَدْعِي سَابِقِيَّةَ وُجُودِ الْوَصِيَّةِ، وَالْجُحُودُ إنْكَارُ وُجُودِهَا أَصْلًا، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ مَعْنَى الرُّجُوعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ رُجُوعًا، وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ جُحُودُ النِّكَاحِ طَلَاقًا؛ وَلِأَنَّ إنْكَارَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ وُجُودِهَا يَكُونُ كَذِبًا مَحْضًا، فَكَانَ بَاطِلًا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ كَالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ كَاذِبًا، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ - لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ حَتَّى لَا يَحِلَّ وَطْؤُهَا.

وَكَذَا سَائِرُ الْأَقَارِيرِ الْكَاذِبَةِ إنَّهَا بَاطِلَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَا الْإِنْكَارُ الْكَاذِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>