عَنْ قَوْلِكَ: أَخُوكَ إلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْمُوصِي مُعْتَمِدًا عَلَى قَوْلِهِ: عَمْرٍو، وَحَمَّادٍ، مُعْرِضًا عَنْ قَوْلِهِ: ابْنَيْ فُلَانٍ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِعَمْرٍو، وَحَمَّادٍ، وَحَمَّادٌ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَصَرَفَ كُلَّ الثُّلُثِ إلَى عَمْرٍ وَكَذَا هَهُنَا، وَالْإِشْكَالُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ: عَمْرٍو، وَحَمَّادٍ، كَمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ قَوْلِهِ: ابْنِي فُلَانٍ، يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ بَيَانٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي عَطْفِ الْبَيَانِ: الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَالثَّانِي يُذْكَرُ لِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ عَنْ الْأَوَّلِ، كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ إذَا كَانَ فِي إخْوَتِهِ كَثْرَةٌ - كَانَ زَيْدٌ مَذْكُورًا بِطَرِيقِ عَطْفِ الْبَيَانِ لِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ الْمُتَمَكَّنَةِ فِي قَوْلِهِ: أَخُوكَ لِكَثْرَةِ الْإِخْوَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّعْتِ، وَإِذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ابْنَيْ فُلَانٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ إلَّا ابْنٌ، وَاحِدٌ، وَهُوَ عَمْرٌو، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إلَّا نِصْفُ الثُّلُثِ، وَالْجَوَابُ: نَعَمْ، هَذَا الْكَلَامُ يَصْلُحُ لَهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا قُلْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ تَصْحِيحَ جَمِيعِ تَصَرُّفِهِ، وَهُوَ تَمْلِيكُهُ جَمِيعَ الثُّلُثِ، وَأَنَّهُ أَوْصَى بِتَمْلِيكِ جَمِيعِ الثُّلُثِ، وَفِي الْحَمْلِ عَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ: إثْبَاتُ تَمْلِيكِ النِّصْفِ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ أَوْلَى عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ عَطْفِ الْبَيَانِ: أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَعْلُومًا، كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ جَاءَنِي أَخُوكَ زَيْدٌ كَانَ زَيْدٌ مَعْلُومًا، فَزَالَ بِهِ وَصْفُ الْجَهَالَةِ الْمُعْتَرَضَةِ فِي قَوْلِهِ: أَخُوكَ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْإِخْوَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا: الثَّانِي غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ حَمَّادٍ لَيْسَ لَهُ مُسَمًّى مَوْجُودٌ لَهُ لِيَكُونَ مَعْلُومًا، فَيَحْصُلُ بِهِ بِإِزَالَةِ الْجَهَالَةِ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ فَيُجْعَلَ بَدَلًا لِلضَّرُورَةِ.
(وَلَوْ) قَالَ: أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ خَمْسَةٌ وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِثُلُثِ مَالِي، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ ثَلَاثَةٌ فَإِنَّ لِبَنِي فُلَانٍ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ رُبْعَ الثُّلُثِ ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُ، وَهُمْ خَمْسَةٌ لَغْوٌ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَبَقِيَ قَوْلُهُ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا لِحُصُولِ الْوَصِيَّةِ لِأَرْبَعَةٍ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا؛ لِاسْتِوَاءِ كُلِّ سَهْمٍ فِيهَا.
(وَلَوْ) قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لِبَنِي فُلَانٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ بِثُلُثِ مَالِي، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ خَمْسَةٌ - فَالثُّلُثُ لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِبَنِي فُلَانٍ اسْمٌ عَامٌّ، وَقَوْلَهُ: وَهُمْ ثَلَاثَةٌ تَخْصِيصٌ أَيْ: أَوْصَيْتُ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، فَصَحَّ الْإِيصَاءُ لِثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ، وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهَا مُمْكِنٌ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ فُلَانٍ.
وَكَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي كَمْ يَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؟ بِخِلَافِ مَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْجَهَالَةَ غَيْرُ مُسْتَدْرَكَةٍ.
وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِقَبِيلَةٍ لَا يُحْصَوْنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا، وَالْخِيَارُ فِي تَعْيِينِ الثَّلَاثَةِ مِنْ بَنِيهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ، وَالْبَيَانُ كَانَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبْهَمُ، فَلَمَّا مَاتَ عَجَزَ عَنْ الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ، فَقَامَ مَنْ يَخْلُفُهُ مَقَامَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِمَوَالِيهِ حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ، وَلَمْ تَقُمْ الْوَرَثَةُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ تَخَلَّفَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يَقِفُ عَلَى مَقْصُودِ الْمُوصِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ زِيَادَةً فِي الْإِنْعَامِ أَوْ الشُّكْرِ أَوْ مُجَازَاةَ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ التَّعْيِينُ، وَهَهُنَا الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ، وَاسْتَشْهَدَ مُحَمَّدٌ ﵀ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فَقَالَ: أَلَا يُرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: فُلَانٌ،، وَفُلَانٌ، وَفُلَانٌ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ غَيْرُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ - إنَّ الْوَصِيَّةَ جَائِزَةٌ لِمَنْ سَمَّى؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْبَعْضَ فَكَذَا هَهُنَا.
أَوْضَحَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَوَازَ تَخْصِيصِ ثَلَاثَةٍ مَجْهُولِينَ بِعِلْمِهِ لِجَوَازِ تَخْصِيصِ ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَأَنَّهُ إيضَاحٌ صَحِيحٌ، وَلَوْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِبَنِي فُلَانٍ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَإِذَا بَنُو فُلَانٍ خَمْسَةٌ - فَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ رُبْعُ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ فَصَارَ مُوصِيًا بِثُلُثِ مَالِهِ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَلِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَكَانَ فُلَانٌ رَابِعَهُمْ، فَكَانَ لَهُ رُبْعُ الثُّلُثِ، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةٍ، وَلِرَجُلٍ آخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي التَّسَاوِيَ، وَقَدْ أَضَافَهَا إلَيْهِمَا فَيَقْتَضِي أَنْ يَسْتَوِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ إلَّا بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَا الْمِائَةِ فَتَحْصُلُ الْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَلَهُ نِصْفُ مَا أَوْصَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمُشَارَكَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِاخْتِلَافِ الْأَنْصِبَاءِ، فَيَتَحَقَّقُ التَّسَاوِي عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ تَحْقِيقًا لِمُقْتَضَى الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ (وَكَذَا) لَوْ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ جَارِيَةٌ ثُمَّ أَشْرَكَ فِيهِمَا ثَالِثًا كَانَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؟ لِمَا ذَكَرْنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute