عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُفْتَى بِهِ وَلَا يُقْضَى.
وَلَوْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَالْفِدَاءُ عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الرَّقَبَةِ لَهُ، فَكَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» ، وَصَارَ كَعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا جَنَى جِنَايَةً إنَّ الْفِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ بِحَبْسِهِ فِي دَيْنِهِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ الْفِدَاءَ عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ مِنْ الرَّقَبَةِ حَقِيقَةً، وَالرَّقَبَةُ لَهُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ: إنَّ حَقَّكَ يَفُوتُ لَوْ فَدَى صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، أَوْ دَفَعَ، وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُحْيِيَ حَقَّكَ فَافْدِ، وَهَكَذَا يُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا جَنَى؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لِلرَّاهِنِ، فَإِذَا فَدَى صَاحِبُ الْخِدْمَةِ فَقَدْ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، فَتَكُونُ الْخِدْمَةُ عَلَى حَالِهَا.
وَإِنْ أَبَى أَنْ يَفْدِيَ يُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ: ادْفَعْهُ أَوْ افْدِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ لَهُ، وَأَيَّ شَيْءٍ اخْتَارَهُ بَطَلَ حَقُّ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ فِي الْخِدْمَةِ، أَمَّا إذَا دَفَعَ، فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَطَلَ مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ بِالدَّفْعِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْخِدْمَةَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ إذَا أَفْدَى؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُمْ الرَّقَبَةَ، فَيَتَجَدَّدُ الْمِلْكُ، وَيَبْطُلُ حُكْمُ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ، وَقَدْ فَدَى قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ؛ لِمَا قُلْنَا: إنَّ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ، وَالْعَارِيَّةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مِنْهُ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا هَهُنَا، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ: أَدِّ إلَى وَرَثَتِهِ الْفِدَاءَ الَّذِي فَدَى؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْفِدَاءَ كَانَ عَلَيْهِ لَا عَلَى صَاحِبِ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ كُلَّ مَنْفَعَةِ الرَّقَبَةِ مَصْرُوفٌ إلَيْهِ، وَمَتَى ظَهَرَ أَنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى غَيْرِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ تَحَمَّلَ عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ إحْيَاءً لِمِلْكِهِ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ) لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ مَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ مَا دَفَعَ صَاحِبُ الْخِدْمَةِ مِنْ الْفِدَاءِ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ الرَّقَبَةِ دَفْعَ ذَلِكَ الْفِدَاءِ إلَى وَرَثَةِ صَاحِبِ الْخِدْمَةِ - بِيعَ الْعَبْدُ فِيهِ.
وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِي عِتْقِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ وَجَبَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ، فَصَارَ كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
وَلَوْ لَمْ يَجْنِ الْعَبْدُ وَلَكِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ خَطَأً - فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا يَخْدِمُ صَاحِبَ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُبْدَلِ كَالْعَبْدِ الرَّهْنِ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ إذَا قُتِلَ، وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الْقِيمَةَ إنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ حَتَّى يَسْتَعْمِلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمُ، وَالدَّنَانِيرُ لَا يَجُوزُ اسْتِئْنَافُ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهَا الْعَقْدُ، فَتَبْطُلُ، وَيَجُوزُ اسْتِئْنَافُ عَقْدِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، فَجَازَ أَنْ تَبْقَى عَلَيْهَا، فَيَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا آخَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ (وَإِنْ) كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ وَصَاحِبُ الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ مِلْكًا، وَلِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ حَقًّا يُشْبِهُ الْمِلْكَ، فَصَارَ كَعَبْدٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ قُتِلَ عَمْدًا إنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ كَذَا هَذَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ بِأَنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآخَرُ سَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ، وَصَارَ مَالًا، فَصَارَ بِمَعْنَى الْخَطَأِ، فَيَشْتَرِي بِهِ عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً.
(وَلَوْ) فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْهِ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ، وَأَخَذَ قِيمَتَهُ صَحِيحًا فَاشْتَرَى بِهَا عَبْدًا مَكَانَهُ؛؛ لِأَنَّ فَقْءَ الْعَيْنَيْنِ، وَقَطْعَ الْيَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِهْلَاكِهِ إلَّا أَنَّهُ مِمَّا يَصْلُحُ خَرَاجًا بِضَمَانٍ، فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَيَأْخُذُهُ خَرَاجًا بِضَمَانِهِ ثُمَّ يَفْعَلُ بِالْقِيمَةِ مَا وَصَفْنَا، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ.
(وَلَوْ) فُقِئَتْ عَيْنُهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ شُجَّ مُوضِحَتُهُ، فَأَدَّى الْقَاتِلُ أَرْشَ ذَلِكَ - فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ لَا تُنْقِصُ، فَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ، فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالْأَرْشِ عَبْدًا بِأَنْ كَانَ الْأَرْشُ يَبْلُغُ قِيمَةَ عَبْدٍ حَتَّى يَخْدِمَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مَعَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ فَعَلَا ذَلِكَ وَجَازَ (وَإِنْ) اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُبَاعَ هَذَا الْعَبْدُ، وَيُضَمَّ ثَمَنُهُ إلَى ذَلِكَ الْأَرْشِ فَاشْتَرَيَا بِهِمَا عَبْدًا آخَرَ جَازَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إذَا كَانَتْ تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي ذَلِكَ الْأَرْشِ، فَكَانَ لَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ (وَإِنْ) اخْتَلَفَا، وَلَمْ يَتَّفِقَا فَلَا يُبَاعُ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا، فَلَا يُبَاعُ إلَّا بِرِضَاهُمَا، وَيُشْتَرَى بِالْأَرْشِ عَبْدٌ لِخِدْمَتِهِمَا حَتَّى يَقُومَ مَقَامَ الْجُزْءِ الْفَائِتِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بِالْأَرْشِ عَبْدٌ يُوقَفُ ذَلِكَ حَتَّى يَصْطَلِحَا عَلَيْهِ، فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَقْتَسِمَاهُ نِصْفَيْنِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَإِذَا اقْتَسَمَاهُ جَازَ ذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ) يَصْطَلِحَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَيْءٍ وَلَكِنْ يُوقَفُ ذَلِكَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ لَا تُنْقِصُ الْخِدْمَةَ فَوَصِيَّتُهُ عَلَى حَالِهَا، وَالْأَرْشُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَرْشَ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الرَّقَبَةِ، فَيَكُونُ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ.
(وَلَوْ) كَانَ لِرَجُلٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute