للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فِي الْأَلْفَيْنِ، وَسَهْمٌ فِي الدَّارِ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ نِصْفُ غَلَّةِ الدَّارِ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الدَّارَ عَلَى عَشَرَةٍ.

وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ خَمْسَةٌ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فِي الْمَالِ، وَخُمْسُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَى قَوْلِهِمَا تُقَسَّمُ الدَّارُ عَلَى طَرِيقِ الْعَوْلِ، فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ، وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ بِالثُّلُثِ، وَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يُضْرَبُ بِالْجَمِيعِ ثَلَاثَةٌ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يُضْرَبُ بِسَهْمٍ، فَاجْعَلْ الدَّارَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ.

وَإِذَا صَارَتْ الدَّارُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ مَعَ الْعَوْلِ صَارَ كُلُّ أَلْفٍ مِنْ الْأَلْفَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ غَيْرِ عَوْلٍ فَالْأَلْفَانِ تَصِيرُ سِتَّةَ أَسْهُمٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ سَهْمَانِ ضُمَّ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، فَيَصِيرَ سِتَّةً فَاجْعَلْ هَذَا ثُلُثَ الْمَالِ، وَالثُّلُثَانِ اثْنَا عَشَرَ، وَالْجَمِيعُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ ثُلُثُ الْأَلْفَيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَذَلِكَ ثُلُثَا الثُّلُثِ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا الثُّلُثَ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سِتَّةٍ ثُلُثَاهُ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: ثُلُثَا ذَلِكَ فِي ثُلُثِ الْمَالِ.

وَقَالَ أَيْضًا: ثَلَاثَةٌ فِي الدَّارِ؛ لِأَنَّكَ جَعَلْتَ الدَّارَ عَلَى ثَلَاثَةٍ قَبْلَ الْعَوْلِ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ مِنْ الدَّارِ وَذَلِكَ ثُلُثُ الدَّارِ، فَإِنَّ مَاتَ صَاحِبُ الْغَلَّةِ فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الدَّارِ، وَالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُوصِ لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا أَوْصَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَالدَّارِ، فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ.

وَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ، وَأَخَذَ صَاحِبُ الثُّلُثِ ثُلُثَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِغْلَالَهَا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَلَكِنَّهَا انْهَدَمَتْ قِيلَ لِصَاحِبِ الْغَلَّةِ: ابْنِ نَصِيبَكَ فِيهَا، وَيَبْنِي صَاحِبُ الثُّلُثِ نَصِيبَهُ، وَالْوَرَثَةُ نَصِيبَهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ، فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ، وَأَيُّهُمْ أَبَى أَنْ يَبْنِيَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إصْلَاحِ حَقِّهِ، وَلَمْ يَمْنَعْ الْآخَرَ أَنْ يَبْنِيَ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُؤَاجِرَهُ، وَيُسْكِنَهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ الْبِنَاءِ رَضِيَ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ، فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ بُطْلَانَ حَقِّ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ هَذَا كَالسُّفْلِ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ، وَعُلْوِهِ لِآخَرَ، فَانْهَدَمَا، وَأَبَى صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَبْنِيَ سُفْلَهُ إنَّهُ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ: ابْنِ سُفْلَهُ مِنْ مَالِكَ ثُمَّ ابْنِ عِلْيَةَ الْعُلْوِ، فَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالسُّفْلِ، فَامْنَعْهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْك قِيمَةَ السُّفْلِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْعُلْوِ إلَّا بَعْدَ بِنَاءِ السُّفْلِ، فَكَانَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ سُفْلَهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ بِنَاءُ الْعُلْوِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا هَهُنَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَسِّمَ عَرْصَةَ الدَّارِ، فَيَبْنِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ أَوْ بِغَلَّتِهَا، فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ، فَشَهِدَ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ أَوْ السُّكْنَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا لِلْمَيِّتِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لَسَلِمَتْ لَهُ الْوَصِيَّةُ وَلَا شَهَادَةَ لِجَارِّ الْمَغْنَمِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ .

وَكَذَا إذَا شَهِدَ لِلْمَيِّتِ بِمَالٍ أَوْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا كَثُرَ مَالُ الْمَيِّتِ كَثُرَتْ وَصِيَّتُهُ.

وَكَانَ بِشَهَادَتِهِ جَارًّا الْمَغْنَمَ إلَى نَفْسِهِ، فَلَا تُقْبَلُ.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ أَبَدًا وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَقَاسَمَ الْوَرَثَةُ الْبُسْتَانَ، فَأَغَلَّ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ، وَلَمْ يَغُلَّ الْآخَرَ، فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ وَقَعَتْ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ الْبُسْتَانِ، وَالْقِسْمَةُ فِيمَا لَيْسَ بِمِلْكٍ لَهُ بَاطِلَةٌ، وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقِسْمَةُ الْمَعْدُومِ بَاطِلَةٌ وَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يَبِيعُوا ثُلُثَيْ الْبُسْتَانِ؛ فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي شَرِيكَ صَاحِبِ الْغَلَّةِ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَبِيعَ ثُلُثَيْ الْبُسْتَان مُشَاعًا؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ مَشْغُولٌ بِحَقِّ صَاحِبِ الْغَلَّةِ، وَالْوَرَثَةُ مَمْنُوعُونَ عَنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا، فَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَّا فِي مِقْدَارِ نَصِيبِهِمْ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ نَصِيبِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ تُنْقِصُ الْغَلَّةَ، وَتَعِيبُ.

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ الَّذِي فِيهِ لِرَجُلٍ وَأَوْصَى لَهُ بِغَلَّتِهِ أَيْضًا أَبَدًا، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، وَالْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ لِلْحَالِ تَسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ، وَالْبُسْتَانُ يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فِيهِ، وَثُلُثُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْغَلَّةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ هَكَذَا، فَإِنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ لِلْحَالِ، وَبِالْغَلَّةِ الَّتِي تَحْدُثُ أَبَدًا، فَيُعْتَبَر فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهُ، وَلَا يُسَلِّمُ إلَيْهِ كُلَّ الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ فِي الْحَال، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ أَيْضًا بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ بُسْتَانِهِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ، وَإِذَا ضُمَّتْ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ إلَى هَذِهِ الْوَصِيَّةِ زَادَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى الثُّلُثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>