للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» فَقَدْ أَمَرَهُ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ حَالَةَ الْخُطْبَةِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] وَالصَّلَاةُ تُفَوِّتُ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ الِاسْتِمَاعِ وَنُزُولِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] دَلَّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ «أَمَرَ سُلَيْكًا أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ نَهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلُّوا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ» فَصَارَ مَنْسُوخًا أَوْ كَانَ سُلَيْكٌ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَا كُلُّ مَا شَغَلَ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمِعَ وَيَسْكُتَ وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤] قِيلَ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي شَأْنِ الْخُطْبَةِ أَمَرَ بِالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا وَمَنْ لَغَا فَلَا صَلَاةَ لَهُ» ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ فِي حَقِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْخَطِيبِ فَأَمَّا الْبَعِيدُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ كَيْفَ يَصْنَعُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْبَلْخِيّ: الْإِنْصَاتُ لَهُ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَهَكَذَا رَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ، وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا قَالَا: إنَّ أَجْرَ الْمُنْصِتِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مِثْلُ أَجْرِ الْمُنْصِتِ السَّامِعِ؛ وَلِأَنَّهُ فِي حَالِ قُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ كَانَ مَأْمُورًا بِشَيْئَيْنِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ، وَبِالْبُعْدِ إنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَعْجِزْ عَنْ الْإِنْصَاتِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ، وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ أَجَازَ لَهُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ سِرًّا، وَكَانَ الْحَكَمُ بْنُ زُهَيْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا يُنْظَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ إنَّمَا وَجَبَ عِنْدَ الْقُرْبِ لِيَشْتَرِكُوا فِي ثَمَرَاتِ الْخُطْبَةِ بِالتَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهَا، وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْبَعِيدِ عَنْ الْإِمَامِ فَلْيُحْرِزْ لِنَفْسِهِ ثَوَابَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدِرَاسَةِ كُتُبِ الْعِلْمِ وَلِأَنَّ الْإِنْصَاتَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بَلْ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الِاسْتِمَاعِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الِاسْتِمَاعِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِنْصَاتُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُكْرَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ، وَلَنَا أَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِمَاعَ الْمَفْرُوضَ وَالْإِنْصَاتَ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِأَجْلِهِ، وَكَذَا رَدُّ السَّلَامِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ بِسَلَامِهِ مَأْثَمًا فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ السَّلَامَ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ لَمْ يَقَعْ تَحِيَّةً فَلَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ؛ وَلِأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ مِمَّا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي كُلِّ حَالَةٍ، أَمَّا سَمَاعُ الْخُطْبَةِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ إقَامَتُهُ أَحَقَّ، وَنَظِيرُهُ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الطَّوَافَ تَطَوُّعًا بِمَكَّةَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَالصَّلَاةُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ لِمَا قُلْنَا وَعَلَى هَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَمِعَ وَلَا يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدِ سَمَاعِ اسْمِهِ فِي الْخُطْبَةِ لِمَا أَنَّ إحْرَازَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ مِمَّا يُمْكِنُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَإِحْرَازُ ثَوَابِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ السَّمَاعُ أَفْضَلَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إحْرَازُ الْفَضِيلَتَيْنِ أَحَقَّ.

وَأَمَّا الْعَاطِسُ فَهَلْ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَكَذَا السَّلَامُ حَالَةَ الْخُطْبَةِ مَكْرُوهٌ لِمَا قُلْنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْأَذَانِ الْأَخِيرِ حِينَ خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ هَلْ يُكْرَهُ مَا يُكْرَهُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ؟ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يُكْرَهُ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ خُرُوجُ الْإِمَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَلَامُهُ يَقْطَعُ الْكَلَامَ جَعَلَ الْقَاطِعَ لِلْكَلَامِ هُوَ الْخُطْبَةُ فَلَا يُكْرَهُ قَبْلَ وُجُودِهَا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْكَلَامِ لِوُجُوبِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ حَالَةَ الْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَدُّ غَالِبًا فَيَفُوتُ الِاسْتِمَاعُ وَتَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمَا وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ» .

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>